الألباب المغربية/ حزيلة ابراهيم
ظننتُ أن مسار التأقلم سيكون أقصر مما هو عليه، لكنني مؤمن تمامًا بأنه سيكتمل في النهاية. أما إذا كان البعض يتمنى لي الإخفاق، فلا كلام لدي أوجهه لهم، بهذه الكلمات لخص بيب جوارديولا مسيرة الوداد الرياضي مع موكوينا.
فالفريق المغربي العريق الذي يمر اليوم بمرحلة انتقالية جذرية، تجربة تعيد تشكيل هويته الرياضية وتنقله إلى مستويات جديدة. لنتناول مشروع الوداد الحالي، ولنفهم معاً التحديات والصبر الذي يتطلبه بناء فريق عالمي الطموح.
ومن يتابع كرة القدم العالمية يعرف جيداً أن أعظم الأندية في العالم مرت بفترات تحول وتغيير استغرقت سنوات قبل جني ثمارها. مانشستر سيتي، الذي يُعد اليوم نموذجاً للنجاح الكروي، احتاج خمس سنوات ليصل إلى هذا المستوى تحت إدارة بيب جوارديولا، على الرغم من الموارد الكبيرة المتاحة له. وليفربول، الذي عانى من فترة تذبذب، احتاج ثلاث سنوات كاملة تحت قيادة يورجن كلوب ليبدأ في حصد الألقاب وتكوين هوية كروية استثنائية.
فاليوم، الوداد الرياضي يقف على أعتاب تجربة مماثلة، حيث يخضع لتغيير شامل يمس تسعين بالمائة من تركيبة الفريق والإدارة. إنه ليس مجرد تعديل عابر؛ بل هو إعادة بناء شاملة تستدعي الوقت والجهد لتحقيق التجانس والانسجام بين اللاعبين الجدد والمنظومة ككل. قد يظن البعض أن النتائج يجب أن تأتي فوراً، ولكن هذا يتعارض مع أبسط قواعد بناء الفرق الكروية الناجحة.
وفي خضم هذه التغييرات، يتولى المدرب رولاني موكوينا زمام الأمور، وهو مدرب يجلب معه فلسفة شجاعة وجديدة على الساحة الكروية المغربية. في وقت يعتمد فيه معظم المدربين المحليين على الكرة المباشرة والحلول السهلة، يسعى موكوينا لبناء منظومة لعب متكاملة تعتمد على تنوع الحلول التكتيكية والتكامل بين اللاعبين. هذا التوجه الجديد لا يمكن تحقيقه بين ليلة وضحاها، فهو يتطلب انضباطاً واستثماراً في فهم الفريق لهذه الفلسفة.
ومن الواضح أن الاعتماد على أسلوب وحيد في اللعب أشبه بانتحار كروي، خاصة في المنافسات القارية التي تتطلب مرونة وابتكاراً للتغلب على الفرق ذات التنظيم التكتيكي المتقن. رولاني موكوينا يعمل على تحدي هذا النمط بتقديم حلول جديدة، واضعاً نواة لتأسيس هوية كروية حديثة تُجاري التحديات الحالية.
فلننظر بعمق إلى واقع البطولة المغربية، حيث لا تزال الفرق تعتمد بشكل كبير على الكرة المباشرة، وهي نمطية ربما تكون قد استنفدت كل فرصها في التميز والتقدم. في هذا السياق، يأتي الوداد بمشروع مختلف، يحاول كسر هذه الدائرة وتقديم كرة قدم عصرية تستقطب جماهير جديدة وتعيد تعريف معنى التميز الكروي.
ولكن هذه الفلسفة تحتاج من الجماهير الواعية والمتفهمة إلى نظرة بعيدة المدى، حيث أن المطلوب اليوم هو صبر الجماهير وإيمانها بهذا المشروع الطموح. لا يتعلق الأمر بالفوز بمباراة أو بطولة واحدة؛ بل يتعلق ببناء قاعدة متينة ستدفع الفريق إلى تحقيق نجاحات متتالية في السنوات المقبلة.
الوداد الرياضي لم يصل إلى مكانته المرموقة بالصدفة. إنه نادٍ عريق صنع تاريخه بفضل سنوات من العمل الجاد والتضحيات. اليوم، مع التطورات الجديدة والتحديات المتزايدة في كرة القدم، يحتاج إلى دعم جماهيره أكثر من أي وقت مضى لخلق هوية جديدة تربط بين عراقة النادي وحداثة الكرة العالمية.
هذا التحول لا يقتصر على تغيير التشكيلة، بل يشمل الإدارة، والرؤية، والأسلوب. إنه مشروع شامل يهدف إلى وضع الوداد ضمن الفرق الرائدة على المستوى الأفريقي، وليس مجرد فريق يشارك لمواصلة الظهور التقليدي.
في كرة القدم الحديثة، النجاح ليس ضربة حظ؛ بل هو نتاج للتخطيط، والتنفيذ المدروس، والصبر. مشروع الوداد الحالي يعد بمستقبل مشرق، شرط أن يُمنح الوقت اللازم للنضوج. لا يمكننا الاستعجال أو التسرع في الحكم على النتائج، فالتغيير الحقيقي يتطلب التضحية والانتظار. غداً، عندما يُثمر هذا المشروع، سيكون للجماهير الحق في الفخر، ليس فقط بفريقها، بل بكونها جزءاً من رحلة التغيير هذه.
إن الوداد اليوم هو استثمار في المستقبل، ومشروع يستحق منّا كل الدعم والصبر.