الألباب المغربية/ نجيبة جلال
لم يكن مستغربا أن تثير قضية توقيف الزميل الصحافي وديع دادا عن مهامه كرئيس لتحرير الأخبار في القناة الثانية ردود فعل متباينة في الوسط الإعلامي المغربي. لكن المستغرب حقا هو التسرع غير المبرر من قبل بعض النقابات المهنية في إطلاق أحكام متسرعة، والانحياز المباشر لطرف على حساب آخر، دون الاستماع لكافة الأطراف المعنية.
فالقناة الثانية، وهي مؤسسة إعلامية وطنية محترمة، اتخذت قرارا إداريا مبنيا على أسباب واضحة تتعلق بتضارب المصالح. وهو قرار يستند إلى معطيات محددة تتمثل في مشاركة رئيس تحرير الأخبار في فعاليات مدفوعة خارج إطار القناة، مع ما يترتب عن ذلك من تداخل بين المصلحة الشخصية والمهنية، خاصة عندما يتم استضافة شخصيات مرتبطة بتلك الفعاليات في نشرات الأخبار.
وحسب مصادرنا، فإن سبب هذا التوقيف يعود إلى عقود شراكة مع مؤسسة وطنية وأخرى خارجية أبرمها “دادا” لصالح شركته الخاصة، مما يضعه وفقا للقانون في خانة المنافس لمشغله. وجدير بالذكر أن القرارات الحاسمة لا تتخذ على مستوى حميد ساعدني، بل على مستوى الإدارة، ما يجعل أي حديث عن أن المنشط دادا قد تعرض لحيف جراء انتمائه النقابي هو خبر لا أساس له من الصحة.
إن محاولة تسييس القضية والترويج لمغالطات حول “شطط في استعمال السلطة” أو “تصفية حسابات” يتنافى مع مبادئ العمل النقابي المهني الرصين. فالتضامن النقابي لا يعني الانحياز الأعمى، بل يقتضي التريث والموضوعية في تقييم الوضع. كما أن مقارنة هذه الحالة بحالات أخرى دون معرفة تفاصيل العقود وطبيعة كل حالة على حدة يعد تبسيطا مخلا للقضية.
صحيح أن الكفاءة المهنية للزميل دادا ليست محل نقاش، لكن هذا لا يعني أن المشاركة في أنشطة خارجية مدفوعة لا تثير إشكالية مهنية وأخلاقية، خاصة عندما تتداخل مع المهام الأساسية في منصب حساس كرئاسة تحرير الأخبار. فالمسألة هنا تتعلق بأخلاقيات المهنة وضوابطها، وليس بالكفاءة الشخصية.
كان الأجدر بالنقابات المهنية أن تلعب دور الوسيط المحايد، وأن تستمع لكل الأطراف قبل إصدار أي موقف. فالعمل النقابي المسؤول يقتضي الموازنة بين حماية حقوق الصحافيين من جهة، واحترام ضوابط المهنة وأخلاقياتها من جهة أخرى. أما الانحياز المباشر والهجوم غير المبرر على مؤسسة إعلامية وطنية، فهو سلوك لا يخدم المهنة ولا العمل النقابي.
يبدو أن البعض قد حاول إقحام الزميل حميد ساعدني في هذه المعركة، رغم أنه لا علاقة له بها. فالجميع يعرف عن الزميل حميد طيبوبته وحسن معاملته مع زملائه في المهنة، وهو بعيد كل البعد عن النزاعات أو التصفية الشخصية. فإشراكه في هذا الجدل يثير التساؤلات حول النوايا الحقيقية لمن يقفون وراء هذا التصعيد، خاصة وأن محاولة اختلاق تصفية حسابات على خلفية انتماء نقابي لا أساس لها من الصحة. القضايا النقابية ينبغي أن تظل ضمن إطارها الطبيعي المبني على الحوار وحماية المهنة، وليس الزج بأسماء بعيدة عن القضية في معارك جانبية لا تخدم أحدا.
يبقى القانون هو الفيصل في مثل هذه القضايا، وليس المواقف الانفعالية أو الأحكام المتسرعة. والتضامن النقابي المطلوب هو ذاك الذي يستند إلى الحقائق والمعطيات، وليس إلى التحيز المسبق أو الانحياز الأعمى. فقوة العمل النقابي تكمن في موضوعيته ومهنيته، وليس في مواقفه الانفعالية غير المدروسة.