الألباب المغربية – محمد خلاف
يبقى الماضي جميلا بشخوصه وتفاصيله؛ وتذكاراته؛ و أحلامه وطموحاته؛ وعصاميته؛ و قد شكل دوما قاربي للإصغاء لزمن لافت مع الوصلات الإشهارية للراحلة ثورية جبران؛ ورسوم “غراندايز” و”ماوكلي”؛ وسينما الخميس للراحل علي حسن؛ وركن المفتي مع أحمد قروق؛ والراحل أحمد الغازي الحسيني؛ وعبد الكريم الداودي؛ والمشروبات الغازية (لاسيكون) و(جيدور)؛ و(كروش) و(سيم)؛ وألعاب الغميضة والطرومبية والبيي؛ ألعاب مارسناها في جماعات أبناء الدرب هي سر قوتنا وطهارتنا النفسية؛ بدل الاختباء فرديا وراء شاشات الهواتف والألواح الغبية؛ مع مجد العلاقات الاجتماعية مع الخالات والعمات والجدات؛ وعلاقات الأحياء الممتدة؛ ومفهوم الدار الكبيرة البائد زمن العولمة والطلاق والجريمة والانحلال؛ وتفشي الخزي؛؛؛ والحديث يجرني جرا إلى البدايات الأولى لتحصيل العلم والمعرفة كجيلي الجميل بمسجد الدرب؛ ثم التسجيل على سبع سنوات كاملة؛ و هي المنطق الصحيح فيزيولوجيا وعلميا وتربويا؛ بمدرسة القواسم الممتدة آنذاك بداية الثمانينات، زمنا كان ليوم الجمعة قدسيته وجعله يوم عطلة؛ وقد كان يدير المدرسة محمد محسن باقتدار و بلباس لائق هو سر أناقته وهيبته؛ وكان مدرسي بالمستوى الأول سنة 1984 الراحل سي العماري حيث الخط العربي الجميل؛ وحفظ القرآن؛ والقراءة الزرقاء مع كمال وكريم؛ علمنا أبجديات الرياضيات على الألواح الخشبية باستعمال الأقراص والخشيبات والعجين؛ و كذا أصول الدين الإسلامي بطرق أقرب إلى مجالس العلم؛ تلاه سي أبو المجد بالقسم الثاني، حيث توطدت أهمية المشاركة الفعالة وقراءة نصوص قرائية بسيطة؛ وحفظها؛ ونقل جمل دون خطأ؛ وبدايات التفريق بين أنواع الهمزات وكذا التاء المربوطة والمبسوطة؛ ثم جاء دور الأستاذة الراحلة عزيز كوثر وبداية احتكاكنا باللغة الفرنسية ونطقها و تشخيص الحوار(dialogue) اعتمادا على مجسمات بيضاء وسوداء( figurines) تلصق أثناء تأدية الحوار وراء سبورة بثوب أزرق مخصص لذلك مع مقرر à grands pas؛ ومع موسى والجد والخروف؛؛؛ كان يدرس معها الأستاذ سي واعراب الذي يكتب باليسرى ويتقن الرسم وكانت معه بداياتنا بالدرس اللغوي في رفع الفاعل ونصب المفعول به؛ وكان وإن وأخواتها و نصوص خالدة كدع اللقالق ترحل؛ وموسم جني الزيتون؛ ونصوص أخرى تتضمن قيما مغربية جميلة مفتقدة زمن المنهجيات ونظريات التعلم والبيداغوجيات؛ أما المستوى الرابع فكان لي شرف الدراسة عند المرحوم وعظية حيث بدايات الدرس اللغوي الفرنسي والصرف والتحويل؛ وبداية كتابة نص انشائي بسيط حول العطلة أو وصف مدرسة… ؛ وأستاذ العربية أشلعون الذي علمنا التراكيب والصرف والإنشاء بطرق حديثة مع كثير من الحزم والصرامة؛ وبداية معرفتنا بالنصوص الشعرية والوثائقية؛ والنصوص المسترسلة التي كانت عبر مقرر خاص لها على شكل سلسلة تدرس كل واحدة في دورة؛ وكانت النصوص تحوي قصصا متفردة محكية بأسلوب بسيط ورقراق؛ وكان ملحاحا علي مكون حصيلة الأسبوع؛؛؛ ثم انتقلت إلى الخامس (الشهادة)؛ وكان الأستاذ محمد حبال مكلفا بالفرنسية والرياضيات والنشاط العلمي، و بدأت الأمور في التشكل نحو بناء تعلمات صريحة والدخول في حل مسائل تتعلق بالأعداد الستينية والكسرية ومسائل المساحات والمحيطات والتحويلات؛ إضافة إلى إتقان الصرف والتراكيب بالفرنسية؛ وتتمة نص ناقص أو ترتيب جملة و هضم سلسلة bond dessiné الخالدة (top 1 fait la soupe) وكان أستاذ العربية رضوان منكب على تكويننا لدخول عالم الإعراب والفهم والتفكير ومعرفة أمور لها علاقة بالدين من صوم ووضوء وسيرة وعقيدة للتعلم والتدرب على قويم الأخلاق؛؛؛ و كذا معرفتنا للدول التي تعاقبت على حكم المغرب ومعركة وادي المخازن؛ ومعركة الزلاقة؛ ومعركة الأرك؛ و إجابتنا على السؤال المحير آنذاك (بماذا تذكرك التواريخ التالية؟؟)؛ قبل نهاية الموسم الدراسي كان الموعد مع الامتحان النهائي لنيل الشهادة الابتدائية بإعدادية 2 مارس في طقوس تشكيل رجولة صغيرة ليختتم الموسم بالطابلو؛؛؛ والأرقام غير موجودة مطالبة بإعادة الموسم؛ وكل الأمهات والآباء بأعناق ممتدة إلى السبورة أمام باب مدرسة القواسم وبإشراف العون عبد السلام؛ كنت أعرف بالمدرسة أساتذة كبار لم تحصل لي فرصة الدراسة والتتلمذ على أياديهم الصافية كسي شكير؛ وسي حزاب؛ وسي وسيط؛ الراحل سي خطيب، وسي خوليدي، وسي التلاوي، والمرحوم الرائع المثقف أحمد ولد البيضة والذي زارني كمفتش بفرعية لكرادة، وتبادلنا أطراف حديث جميل ومسؤول؛ وسي فيلال؛ وسي عبد الله الحسنى المفتش الحالي؛ و الأستاذة لطيفة بلكاس، والأستاذة مليكة شطير؛ وقد أكون محظوظا حيث غادرت مدرسة القواسم سنة 1988؛ وعدت لنصفها الجنوبي مدرسة الإمام البخاري سنة 2019 كمدرس؛ وأدرس بالقاعات التي درست بها ،دوما أتذكرني تلميذا، وعاشرت الأستاذة لطيفة بلكاس، ومليكة شطير، حيث كنت أرى فيهن قبل تقاعدهن أخيرا جزء من تاريخي وتاريخ المؤسسة في خليط من الهيبة والاحترام؛ رحم الله الأموات وأطال في عمر الأحياء.