بقلم: يونس التايب
من الإطناب إعادة التذكير بأهمية الإعلام كسلاح ناعم يستطيع تمرير استراتيجيات و تكسير أخرى، أو إبراز قضية وتسليط الضوء عليها في مقابل تغييب أخرى، بواسطة خطط إعلامية دقيقة لتشكيل الوعي العام، وطنيا و دوليا.
في هذا الصدد، أحببنا أم كرهنا، يجب أن نعترف أن الصور التي وثقتها وسائل الإعلام عن محاولات الهجرة غير الشرعية التي أقدم عليها مئات الشباب في المناطق الحدودية بين الفنيدق و سبتة المحتلة، قد أساءت كثيرا إلى صورة بلادنا، خاصة بعد أن تناقلتها كبريات الجرائد والقنوات التلفزية الإخبارية، في تقارير ونقاشات، بعضها كان مهنيا موضوعيا سعى إلى فهم الحقيقة و وضعها في سياقها، وبعضها الآخر اختار لعب دور الشيطان وروج قراءات غير دقيقة، أو تجزيئية، بغرض الإساءة والترويج لوهم “الهروب الجماعي للمغاربة من بلادهم” ..
وإذا كان صحيحا أن غالبية الأصوات المغربية الوطنية الحرة، سواء المتخصصة أو غير المتخصصة، من إعلاميين وكتاب رأي و مثقفين نزهاء، قد حاولت التعاطي مع الموضوع بشكل يجمع بين الغيرة الوطنية التي ترفض قبول تسجيل نقط ضد بلادنا، و بين ضرورة الاعتراف أن الصور تعكس وجود مشكل اجتماعي مرتبط بإدماج الشباب يتعين تجديد تشخيصه و إيجاد الحلول الناجعة له؛ و في نفس الوقت إثارة الانتباه إلى أبعاد أخرى من المحتمل أن تكون قد أججت “هبة الحالمين بالهجرة”، و دفعت في اتجاه استغلال الأحداث للنيل من الدولة المغربية عبر حملات تحريضية ممنهجة وظفت شبكات التواصل الاجتماعي و استعانت بخبرات سماسرة شبكات الهجرة السرية والاتجار في البشر …
في هذا السياق، وفي مثل هذه المعارك، لا بد من الوقوف عند حقيقة أننا لن نستطيع إنجاز أي شيء له أهمية، إلا إذا استوعبنا ما يلي:
– أولا، لن نتمكن من إيصال أصواتنا، للرأي العام الوطني أو الدولي، إلا إذا تعاطينا مع الأحداث بمنطق موضوعي عقلاني، وعبرنا عن مواقف وسطية ندافع من خلالها عن مصالح بلادنا وصورتها، دون إنكار وجود مشاكل تستحق التصحيح و المعالجة…
– ثانيا، في زمن التدافع الإعلامي وتشابك العلاقات الدولية، مع تنوع الاستراتيجيات الإعلامية والتواصلية المدعومة استخباراتيا من مصالح دول و كارتيلات معينة، لن نتمكن من إيصال صوتنا إلا إذا كانت لدينا خطة تواصلية وطنية مندمجة، يشارك في تنزيلها قطب الإعلام الوطني العمومي و الإعلام الخاص، من خلال تسجيل حضور يتميز بالمهنية والاحترافية و المسؤولية والإبداع …
– ثالثا، يجب التوقف عن الاعتقاد بجدوى الاستمرار في دعم ممارسي الإعلام بمنطق “شو خيخي”، وصحافة “كلها يهز ميكروفون و يزيد”، و عشوائية تدبير الموارد البشرية في عدد من المؤسسات الإعلامية بمنطق “صاحبي و صاحبتي”، وإعلام “واخا ما فيدوش، غير رسلوا في مهمة، و خلص عليه الطيارة والفندق”. ذلك أنه إذا كان مثل هذا النوع من الإعلام، الذي يسيء إلى أذواقنا و يحبط هممنا، “قاضي حاجة” داخليا و “مسلك” لتسهيل بعض الحاجات و معالجة بعض السياقات، لكن من المستحيل أن يحصل هذا النوع من الإعلام على احترام الإعلام الدولي أو يستطيع إقناع الرأي العام
الدولي بأية فكرة أو مبادرة، لأنه لا أحد سينصت أو يتعاطى بإيجابية لطروحاتنا إذا تشبثنا بتمريرها عن طريق قنوات غارقة في الرداءة.
بالتالي، إذا كنا نريد كسر مؤامرات أعداء المغرب، يجب أن نصبح قادرين على إبداع منتوج إعلامي يستطيع النفاذ إلى ذكاء الرأي العام العالمي، للمساهمة في تعديل الميزان المختل في التعاطي مع قضايانا، بسبب لوبيات لا تحب “النموذج المغربي” إلا إذا استطاعت ابتزازه و قضاء مصالحها على حسابه أو بدعم منه …
فهل سنرى يوما، إعلاما وطنيا حقيقيا يتميز بكونه قويا، ذكيا، مهنيا، و قادرا على مقارعة كارتيلات الإعلام التي تبث من الشرق الأوسط و أوروبا و أمريكا، و تتابع كل صغيرة و كبيرة عبر العالم، لتحدد وعي الرأي العام في عدد كبير من بقاع العالم … ؟؟ هل ينقصنا شيء لتحقيق ذلك الطموح…!!!