الألباب المغربية/ هند أبياض
يبدو لنا من الوهلة الأولى أنه من السهل تحديد تعريفات بسيطة حول مفهوم الدعارة، ويبدو لنا كذلك أن الموضوع لا يستحق كل هذا التحليل لأنه مبني عن فعل لاأخلاقي صرف لا يستوجب علينا التعمق فيه، لكن بخلاف هذا الموضوع الذي يعتبر طابو من حيث الدين ويعتبر كذلك مجالا خصبا وموضوع حي سوسيولوجيا يجب الإلمام بكل جوانبه. وكما يبدو واضحا أن مفهوم فعل الدعارة بقدر ما فيه من اختلاف يعكس منظورات إيديولوجية فهناك أيضا اختلافات في الموقف الاجتماعي بإختلاف التنشئة الإجتماعية لكل فرد.
فمن بين أهم المفاهيم التي طرحتها السوسيولوجية مفهومي الجنس والجنسانية فالجنس هنا فعل بيولوجي هدفه تحقيق غريزة التكاثر والجنسانية كما فسرها عبدالصمد الديالمي أنها ظاهرة شمولية تتجاوز البعد البيولوجي للإنسان لتشمل البعد النفسي والديني والإجتماعي والثقافي والسياسي والقانوني.
وقدمت ماري فيكتوار لويس تعريفا أكثر شمولية للدعارة على أنه نظام الهيمنة على الجنسين ويرتبط بالخصوص بالعملاء (أفراد أو مؤسسات) يكفلون مقابل أجر إمكانية حصول الزبون على الجسد من الجنسين ذكرا كان أم أنثى، بمعنى أنه لا يقتصر فقط عن الإناث ولكنه فعل يقدم لنا طرح الفاعل والمفعول به وإن كنا سنعطي تعريف “دعارة” للمفعول به أو(المستقبل) فالفاعل هنا هو الآخر سيشترك في نفس الصفة ما دام العملية يشتركان فيها.
فعل الدعارة هنا يمكننا مناقشته أكثر من الناحية السوسيواقتصادي، فالإجتماعي هنا يتلخص بتلك الأسباب النمطية التي نعطيها أحيانا كي نتعامل مع الموضوع بطريقة عاطفية، وتتلخص أحيانا بدافع الفقر الناتج عن عدم الوعي لكلا الطرفين كي يحولوا فعل عاطفي/حسي إلى فعل اقتصادي/ربحي، ومن الناحية الاقتصادية سنتحدث هنا عن اقتصاد جنسي مهيكل ومعولم بالرغم من أن الدولة لا تعلنه في قانون ماليته ولا في أدبياته السياسية، لكن حسب الإحصائيات فقد وصل الدخل المالي الذي يأتي من الدعارة حول العالم إلى مئات المليارات من الدولار مما يجعل الدعارة ثالث تجارة في العالم.
- مأسسة البغاء في العهد الإستعماري
“لم تشع الأخلاق الفاسدة إلا بعد الإحتلال الذي جر كل وبال المغرب”، هكذا انتقد محمد المختار السوسي أول مبغى في الدارالبيضاء ألا وهو حي بوسبير أو “أحياء مخصصة”- بوسبير نسبة إلى بروسبير فيريو وهو مالك الأرض الذي خصص للدعارة لاحقا- هكذا بدأ موضوع البغاء العلني في المغرب سنة 1912 على يد الإستعمار الفرنسي وكان يضم ما بين 600 و900 عاملة جنس وهذا الحي يضم أزقة بأصول العاملات، البيضاوية والعبدية والدكالية والفاسية…
يخضع الحي لمراقبة صارمة يخضعن فيه العاملات لفحص طبي بانتظام، ولا يسمح لهن بالمغادرة إلا يوم واحد فقط في الأسبوع بعد حصولهن عن إذن من طرف الشرطة والطبيب. هذا الحي كان نتاج فرنسي استعماري ارتبط بحقبة الانتداب الفرنسي الغاية منه هو الإهتمام بتوفير حاجيات الجنود آنذاك.
على الرغم من أن بوسبير لم يعد يمارس نشاطه إلى اليوم إلا أن جل المناطق صارت تتاجر في البغاء مقابل مصالح فردية أو دولية من خلال السياحة الجنسية وتصدير العاملات في الجنس إلى دول الخليج وإنشاء خليات للدعارة في الأحياء الهامشية، واستمرار نفس نمط بوسبير لكن بإحداث وكر للدعارة في مناطق تواجد الثكنات العسكرية، أي أن البورديلات كانت ولا تزال لصيقة الثكنات العسكرية.
في المغرب الغير النافع أو الهامش – كل وكيف يحلو له أن يسميه – هناك أيضا ينتشر النشاط الجنسي وإحداث مخورات في مناطق نشيطة، والبورديل في مناطق أخرى كلها اجتمعت كي تأسس لحياة جنسية تحاول إعادة إنتاج نفس النشاط الذي جاء به بوسبير.