الألباب المغربية/ أمال اكليل
في رحاب المهرجان:
تتبعنا كمهتمين وباحثين خبر استعداد كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك ـ الدار البيضاء، لتنظيم الدورة 36، للمهرجان الدولي للمسرح الجامعي للدار البيضاء، في الفترة الممتدة من 1 إلى 7 يوليوز 2024، عبر مسارح جهة الجار البيضاء سطات، وبتنسيق مع الجهة ووزارة الشباب والثقاف والتواصل، قطاع الثقافة، هذا المهرجان الذي أتى في مرحلة مفصلية هامة في تاريخ الفنون المغربية، ويعتبر تنزيلا لتوصيات المناظرة الوطنية للثقافة المغربية التي أقيمت سنة 1986 بالمدينة المغربية تارودانت، حيث قدمت أوراق عبارة عن دراسات وخطة طريق للنهوض والإقلاع بالفنون المغربية وعلى رأسها المسرح، وقد كان صوت الجامعة حاضرا على عدة مستويات خلال هذه المناظرة، من تم استحدث في سنة 1987 المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي كأول مدرسة تكوينية لجيل من الممارسين الأكاديميين، واستحدث المهرجان الدولي للمسرح الجامعي للدار البيضاء في سنة 1988، بمبادرة وتصور وإبداع من كلية الآدب بنمسيك الدار البيضاء، أي بعد أربع سنوات من انطلاق وتأسيس هذه الكلية التي راهنت على الفعل الثقافي والفني مع الفعل والدرس الأكاديمي لتخلق تميزها، وقد طعم المهرجان هذا المعهد بطلبة تلمسوا طريقهم من المهرجان إلى المعهد، كما مهد المهرجان الطريق أمام طلبة المعهد ليتواصلوا مع إبداعات العالم ومختبراتها الفنية التي ساهمت في تكوين أجيال من المسرحيين الدارسين والمتتبعين ويسجل للمهرجان أنه ساهم في الرفع من جمالية التلقي لذى الممارسين والجمهور، وللإشارة وبحكم كثير من الدراسات والرصديات فقد ربحت كلية الآداب بنمسيك الرهان، ومن تم كانت نهضة المسرح المغربي على مستوى الدرس الجامعي الذي دخل لفضاء الكلية واستحدثت تخصصات مختلفة وفق نظام (LMD) وخلقت مهرجانات مختلفة من مسرح جامعي عبر بعض الكليات من أكادير وفاس ومراكش وطنجة، ويلاحظ الاستمرارية النوعية لمهرجان لأكادير وطنجة وبطبيعة الحال الدار البيضاء مع FITUC، كما ابتكرت مهرجانات أخرى في التحريك الرقمي وباقي الفنون من خلال خريجي هذا المهرجان، بل أستحدتث فرق مسرحية تجريبية بفضل تلاقح الثقافات وحوار شبيبة العام بالخلق والإبداع، كشعار حركي دائم للمهرجان الدولي للمسرح الجامعي..
أتى المهرجان الدولي للمسرح الجامعي للدار البيضاء، ومجال الدراما والميديا يتشكل برؤى جديدة ومتطورة، إذ جاء مع ميلاد القناة الثانية بعين السبع الدار البيضاء، كأول قناة مستقلة وحرة وذلك سنة 1989، كما أتى المهرجان وقد أفل مهرجان مسرح الهواة وتجربته ومدرسته سيما ومعظم الفعاليات المسرحية التي قادت المسرح الجامعي على المستوى الوطني هي خريجة مدرسة الأجيال المسرحية على مستوى الإبداع والنقد والدراسة والتنظير وغيرها؛ لذا عندما جاء مهرجان المسرح الجامعي كان بالفعل متنفسا وسابقة أسست للآتي ولتاريخ ومسار فنيين وحافظ على وجود واستمراية مسرح يجرب ويشاغب إبداعا ونقدا ودراسة، وعليه ننظر إلى المسرح المغربي باعتباره بنية عضوية حيث يعد المسرح الجامعي أحد أعضائها، فما أهمية هذا المسرح الجامعي داخل هذه البنية ؟ وهل لهذا العضو (المسرح الجامعي) تأثير على هذه البنية أو هو مؤسس لبنية مختلفة وقد تكون متكاملة ومتجانسة؟ إذا تحدثنا عن مسرح جامعي، فهل نقصد بذلك وجود المسرح داخل فضاء الجامعة باعتباره نشاطا موازيا فقط ؟ أو مسرح يمارسه الجامعيون؟ أو مسرح تقوده الجامعة؟
المسرح الجامعي في رحاب البحث العلمي:
تعتبر الجامعة فضاء للبحث العلمي، والقيام بالبحث هو المهمة الأساسية التي لا يمكن تصور أي تعليم عال بدونها، وإن دخول المسرح إلى الجامعة هو دخول إلى عالم البحث العلمي ومختبره، لذا نجد الحضور الفاعل للمسرح باعتباره مادة دراسية في الدراسات العربية برحاب كليات الآداب والعلوم الإنسانية وضمنها كلية الآداب بنمسيك مهد ميلاد هذا المهرجان وتخصصه المسرح الجامعي، وبذلك أصبح المسرح موضوعا للبحث العلمي، إذ تنجز العديد من البحوث في هذا المجال سواء في مرحلة الإجازة أو الماستر أو الدكتوراه، كما يتلقى الطلبة تكوينا نظريا في المسرح في شعب وتخصصات، وبذلك تكون الجامعة أداة لتطوير المسرح سواء على مستوى التنظير أو الممارسة، في هذا الصدد صرح الدكتور حسن المنيعي (رحمه)”يعد المسرح الجامعي خلية فنية وثقافية تساهم في تطوير البحث الدرامي وابتكار أساليب جديدة دون الانصياع لقانون تجاري أو شكل من أشكال الوصاية “، إن الجامعة تجعل من المسرح موضوعا للمعرفة العلمية، وتوفر له فضاء أوسع للبحث والتجريب، وتخلصه من قانون العرض والطلب الذي جعل من المسرح الاحترافي خارج فضاء الجامعة مسرحا تجاريا، وهو ضرورة لفرجة أخرى لها شروط أخرى.
المسرح الجامعي تكوين تكميلي بل أساسي:
إن المسرح الجامعي ليس حكرا على طلبة الدراسات العربية، بل إنه مفتوح في وجه كل الطلبة رغم اختلاف تخصصاتهم الدراسية، فهو يوفر للمتعلم فرصا كبيرة للتدريب العملي لتنمية حس العمل التعاوني والجماعي برؤية كونية، والشعور بالانتماء للمجموعة وتعزيز روح العمل داخل الفريق، وتطوير مهارة التحدث في الأماكن العامة، ذلك أن اقتران التعلم بالمتعة تكون له مردودية أفضل، ولا يوجد شيء أفضل من المسرح والمتعة مما يتيح “التعلم بالممارسة” الذي تتحدث عنه العديد من نظريات التعلم، وبذلك فالولوج لعالم المسرح الجامعي بالنسبة للطالب لا يعني بالضرورة أن عليه السير في اتجاه يقوده إلى احتراف المسرح، بل قد يقوده للحياة عموما ويشكل بالفعل تكوينا تكميليا بل أساسيا لتشجيع الطالب لإنشاء مساحات للتعبير والممارسة والحضور الثقافي المنخرط في دينامية الحياة العملية والمهنية، وفتح آفاق سوق الشغل وتغيير المنظور القدحي للفن وقد أسس المهرجان الدولي للمسرح الجامعي بالفعل لهذا البعد.