الألباب المغربية
(*) مصطفى طه
يشير مفهوم الحزب اليساري، إلى ذلك الطيف السياسي، الذي يتبنى بشكل عام، فكرة المساواة والسيادة الشعبية، للمؤسسات السياسية والاقتصادية، علما أن الأشخاص الذين ينتمون لهذا الحزب، يكون فكرهم متشبع بصورة مباشرة، على الإشتراكية.
وفي سياق متصل، فالأحزاب اليسارية المغربية ومنذ سنوات خلت، تعيش وضعية من الخمول جعلت مسارها السياسي يوضع على سبيل الاختبار والتجربة، وذلك في ضوء تمثيليتها في قبة البرلمان والحكومة، ما جعلها تفقد ثقلها في المشهد السياسي المغربي، هذا من جهة.
من جهة أخرى، ومنذ ستينات القرن المنصرم، شكل اليسار قوة سياسية وازنة في البلاد، قادت المعارضة لعقود، وشاركت في حكومة التناوب التوافقي سنة 1998 برئاسة عبد الرحمان اليوسفي، كما هو الشأن بالنسبة لحزب التقدم والاشتراكية، من خلال مناضليه نخص بالذكر وزير التربية الوطنية، إسماعيل العلوي الذي كان آنذاك (أمين عام الحزب)، وكاتب دولة مكلف بالبحث العلمي، عمر الفاسي الفهري، وكاتب دولة مكلف بالرعاية الاجتماعية والأسرة والطفولة، محمد سعيد السعدي.
وشارك حزب “الكتاب” مرة أخرى في الحكومة، وبالضبط في شهر شتنبر 2000، بوزير الفلاحة والتنمية القروية، إسماعيل العلوي (أمين عام للحزب)، ووزير مكلف بالبحث العلمي وتكوين الأطر، عمر الفاسي الفهري.
وفي ذات السياق، دخل التقدم الاشتراكية في شهر نونبر 2002 في حكومة إدريس جطو، بوزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة، محمد نبيل بنعبد الله، ووزير مكلف بالبحث العلمي، عمر الفاسي الفهري، وفي شهر يونيو 2004 من خلال تعديل حكومي، بوزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة، محمد نبيل بنعبد الله.
كما شارك الحزب المذكور في حكومة عباس الفاسي، وذلك في شهر أكتوبر 2007 إلى غاية شهر دجنبر 2011، بوزيرة الشؤون الاجتماعية والأسرة والتضامن، نزهة الصقلي، ووزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة، خالد الناصري.
وفي شهر يناير 2012 دخل حزب التقدم والاشتراكية، حكومة عبد الإله ابن كيران، كحليف لحزب العدالة والتنمية، بوزير السكنى والتعمير وسياسة المدينة، محمد نبيل بنعبد الله ( أمين عام)، ووزير الصحة، الحسين الوردي، ووزير التشغيل والتكوين المهني، عبد الواحد سهيل، ووزير الثقافة، محمد الأمين الصبيحي.
وارتباطا بالموضوع، ومن خلال تعديل حكومي تم في شهر أكتوبر 2013، شارك الحزب سالف الذكر، بوزير السكنى وسياسة المدينة، محمد نبيل بنعبد الله ( أمين عام)، ووزير التشغيل والشؤون الاجتماعية، عبدالسلام الصديقي ، ووزير الثقافة، محمد الأمين الصبيحي، ووزيرة منتدبة مكلفة بالماء، شرفات أفيلال ،ووزير الصحة: الحسين الوردي.
كما شارك حزب “الكتاب” في حكومة سعد الدين العثماني، وذلك من خلال كاتبة الدولة لدى وزير التجهيز والنقل واللوجستيك والماء المكلفة بالماء، شرفات أفيلال، ووزير الصحة، أناس الدكالي، ووزير إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، عبد الأحد الفاسي الفهري.
وفي سنة 2017 تلقى حزب التقدم والاشتراكية صدمة قوية بعد إعفاء محمد نبيل بنعبد الله من وزارة الاسكان والتعمير، وفي يوم 05 أكتوبر من نفس السنة وفي أول خرجة إعلامية له قال الأمين العام خلال الدورة الاستثنائية للجنة المركزية للحزب، أن الكل “استسلم للصدمة”، في إشارة للإعفاءات التي طالت وزراء “الكتاب”.
ودافع بنعبد الله عن حزبه، وقال: “الحزب يضع المصلحة العليا للبلاد فوق كل اعتبار وسيستمر الحزب في خدمة الوطن”، قبل أن يخاطب أعضاء اللجنة المركزية لحزب الكتاب، قائلاً: “إنكم رفاقي ورفيقاتي وتجسدون حزب كبير”.
وفي سنة 2019 وبالضبط مساء يوم الثلاثاء 01 أكتوبر، قرر المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، بالإجماع، الانسحاب من الحكومة، على بُعد أيام قليلة من الولادة المرتقبة لحكومة العثماني.
وبعد السقطات المتتالية لحزب التقدم والاشتراكية، خاصة السنوات الأخيرة، عرفت أفول هذا الحزب اليساري، وأرجع البعض ذلك إلى غياب الرؤية الموحدة، والتي أدت إلى انقسامات داخله ما أجهض مشروعه السياسي، وغرق في التشتت والعزلة.
وصلة بالموضوع، فنتائج الاستحقاقات الأخيرة أظهرت بالملموس، أن أحلام حزب التقدم والاشتراكية تبخرت، ذلك الحزب، الذي يمارس نشاطه النضالي، من أجل مغرب ديمقراطي حداثي ومتقدم، تسوده العدالة الاجتماعية، والحرية، والكرامة، والمساواة، ويعتبر مؤسسا لليسار الاشتراكي بالمغرب، حصل على 23 مقعدا برلمانيا وذلك بفضل القاسم الانتخابي الذي أنقذ هذا الحزب من زلزال ثامن شتنبر، وأكثر من هذا الأمين العام للحزب فشل في نيل مقعد نيابي.
السؤال المطروح، ما الذي وقع لحزب “الكتاب”، كي ينحدر إلى قاع المشهد السياسي المغربي، الذي فقد الكثير من قاعدته الشعبية، ويفقد دور المعارضة الشرسة، في الغرفة الأولى، وداخل المؤسسات، كما كان يعمل في الماضي.
في السنوات الطويلة الماضية، ابتعد الحزب سالف الذكر عن أسسه الجماهيرية، التي كانت دائما دعما له، لمواجهة الأحزاب السياسية المتنافسة، والوقوف بجانبه في أحلك ظروفه، بحيث فقد الكثير من بريقه السياسي، بسبب التناحرات الداخلية، التي ساهمت بشكل كبير في موته البطيء.
وفي الختام أريد أن أختم مقالتي، بأن حزب التقدم والاشتراكية، لم يستوعب أن البنيات الاجتماعية، والثقافية، والفكرية، للرأي العام الوطني، قد تبدلت بشكل كبير، بالمقابل مازال هذا الحزب اليساري، ينهج سياسة قديمة، ويعتمد رؤية، واستراتيجية أكل عليها الدهر وشرب، حيث يتكل على مشروع سياسي، مرة باسم المحافظة على قيمه، وتارة، الحفاظ على الأصالة والتقاليد المغربية، هذه التناقضات، جعلت خطاباته السياسية، تدور في حلقة فارغة، بسببها، لم يطور منظومته العملية، ولم يستفيد من الدروس السابقة، حيث أضحى، هذا الحزب، يلعب المباراة بنفس التشكيلة المنهزمة.
(*) سكرتير التحرير