الألباب المغربية/ محمد خلاف
تسكننا الأماكن وتحتل مساحة بداخلنا ؛ ويحاصرنا المكان في كل مكان؛ حصار من الذكرى يصعب تجاهله أو تغيبه؛أماكن تتفاعل معها حواسنا الخمس؛ ونحمل لها الكثير من الحب؛ تثير فينا الوحشة؛ وتؤنس المخاللة؛ منحتنا شميما ساحرا؛ أسعدنا ذات أيام خوالي؛ والأماكن العهيدة بالفقيه بن صالح؛ تحمل ذكريات بهية؛ لاتموت؛ تنبض بأرواحنا؛ قصصها صامتة حنيننا إليها لافح؛ إنها كالدم لايتوقف في أوردتنا كما الحياة؛ ومن لا يتذكر ماضيه محكوم عليه بإعادته؛ ومن تلك الأماكن العتيقة؛ منبر خطاب الملك الراحل محمد الخامس بالمدينة؛ عند زيارته لها فاتح يوليوز 1958؛ اعترافا بدور قبائل بني عمير في مجابهتها للمستعمر الفرنسي آنذاك؛ ولأنها شدت الرحال إلى الرباط كسائر المغاربة لإستقبال السلطان محمد بن يوسف 16نونبر 1956 عائدا بوثيقة الاستقلال؛ وانتهاء عهد الحماية والاستعمار؛ خطاب المغفور له بالمدينة حول تطوير الفلاحة وإدخال وسائل عصرية؛ والتأسيس لنظام تعاوني لمساعدة صغار الفلاحين مع صيانة الملكية الفردية؛ هذه المعلمة المتواجدة أمام مؤسسة جديدة خاصة بالمقاومة؛ وخلف ثانوية بئر انزران تطل على ساحة الرياضة والتربية البدنية، منتصبة؛ سامقة بين الأزبال المترامية في كل جوانبها؛ جدرانها ظهرت عليه علامات التصدع والتشقق؛ هي ملجأ لبعض للمتشردين ومكان لحاجات أخرى عديدة؛ ملطخة بالعبارات والشعارات والألقاب والأرقام؛ طالتها أيادي البطش دون التفاتة أو ترميم؛ ماعدا بعض الرتوشات واللمسات الخجولة بالجير؛ زمن المناسبات الوطنية؛ تشكو تهميشا وإهمالا وتفريطا وترك قسريا؛ في مدينة مهرجان التبوريدة والصفقات التي تشبه الحق وما هي بحب؛ تركت المعلمة بسبب عقليات قاصرة عاجزة عن إدراك الخلفيات الحضارية لهذه المباني؛ مما سيشكل سقوطا حضاريا تحاسبنا عنه الأجيال القادمة؛ كما أن عملية الترميم جد معقدة لتداخل مسؤولية الإشراف بين عدة جهات؛ إضافة إلى الهواية في العمل حينا أو إلقاء اللائمة على أدوات الإنجاز والغش أحيانا أخرى. غاضين الطرف أنهم يحملون على عاتقهم تاريخا بأكمله؛ معلمة المنبر التاريخية تحمل لأبناء لاربعا وخصوصا تلاميذ ثانوية بئر انزان؛ ذكريات جميلة؛ وإن رقدت خلف صمت الأحاسيس ليست تموت بسنين الدراسة؛ والعمر الأخضر وصدق الضحكات والبسمات وعذوبة العهود وتقاسم الأنفاس؛ في زمن كان جد قصير؛ فر منا مسرعا؛ مر كالخيال خلف جدران الأسى؛ ذكراه وذكرياته تثير الدمع؛ سيظل ذلك المنبر مكانا حيا في أعيننا؛ ارتباطنا به يبعث في جمادته نبض الحياة؛ ويجعله حيا فينا يعيد لنا ماضي لاربعا المجيد؛ جسد الذكرى المغطى بالنسيان؛ ورغم كل شيء نقوله أو نكتبه يبقى في القلب أشياء أكبر من أن تقال؛فعيوننا الجميلة لا ترى إلا الجمال؛ قلوبنا الرقيقة هي مصدر الخلود؛ كما الحب لا يبعث في الأوراق البيضاء؛ صادقا لا نتمنى أن نصير مع الظلام حكاية أشلاء؛ ذكرى أو بقايا من سهاد، وهذه رسالتي إلى المسؤولين بمدينتي بكلام تولستوي؛ ووفرانكلين(القليل من الإهمال يسبب الكثير من الأذى والجفاء).
*إلى حلقة قادمة ومكان قديم على جريدة الألباب المغربية..