الألباب المغربية/ محمد خلاف
في أركان من زوايا لاربعا كانت تنتصب العديد من متاجر التبغ؛ وكانت تسمى “الصاكة” وتكون بالقيساريات؛ وبمداخل الدروب؛ وقرب الإدرات؛ … وكانت الصاكات هي صلة وصل بالعالم، فهي مركز البريد ومنها تؤخذ طوابع البريد وفيها توضع الرسائل بالصندوق البريدي الأصفر. فهي وجهة هواة المراسلة وعائلات العاملين بالخارج، وبها آلات موسيقية وألعاب أطفال والكثير من الأشياء؛ وأول الهواتف العمومية وضعت ببعض الصاكات فكانت بعض العائلات تنتظر أمام باب الصاكة لربط الاتصال بأقاربها بالخارج. فيرن هاتف الصاكة ذو الأرقام الدائرية بجرسه الرنان معلنا ربط الاتصال، ليتسارع الأهل بالإجابة فوقت المكالمة ثمين ويحتسب بالتواني. الصاكات أيضا كانت أشبه بملحقة إدارية، فقد كانت نقطة إلتقاء الساكنة بمقدم الحي أثناء الحملات والأزمات وتوزيع الوثائق، وفيها كانت تباع المطبوعات الإدارية وطلبات جوازات السفر والطوابع المخزنية وطلبات الاشتراك في الماء والكهرباء ومكان إعلانات مباريات التوظيف؛ كما كانت بها لترات ليصانص، وآلة يدوية لضخ المازوت ببعض المدن… آلات النسخ وضعت بالصاكة يوم كانت آلة النسخ أعجوبة تقنية.
كانت الصاكة وجهة الأريسطوقراطين من أبناء المدن فرفوفها تحتوى على أرقى السجائر الشقراء من أمثال “مارلبورو لايت”و “مور” و “دنهيل” وبها أرقى أنواع زجاجات العطر بالمدينة، كانت أيضا وجهة المثقفين والحداثيين من أبناء المدينة، فهي نقط لبيع الجرائد والمجلات، وأولئك المترددين عليها باستمرار الذين يلفون في أياديهم جريدة “الاتحاد الاشتراكي”، فهم من نخبة المهتمين بالسياسة أو مشروع معتقل سياسي لاحقا، لم تكن جريدة واحدة لتشفي غليل المتعطشين للأخبار زمن الضيق الإعلامي فكانت الصاكة تستبدل الجريدة بأخرى مقابل 50 سنتيما.
كنا صغارا لما نقترب من واحدة من الصاكات تأخدنا الرجفة والدهشة لهيبة مقامها وعظمة مكانتها بالمدينة اليوم صارت الصاكات متاجر صغيرة عادية متواضعة؛ وصار حالها كحال أجدادنا العسكريين المشاركين في الحروب مع فرنسا، لم يتبق لهم سوى الحكي عن ماض كان المجد مجدهم وكان المقام مقامهم.