نورالدين قربال
قد يبدو أن العنوان مبالغ فيه، أتمنى ذلك، ولكن كلما مر يوم من عمر الحكومة، إلا سمعنا ألما لأننا في وضعية صعبة ومقلقة. لقد أكدت المندوبية السامية للتخطيط أن 85 في المائة من الأسر المغربية تدهور عيشها، وأخرى استنزفت مدخراتها ولجأت إلى الاقتراض. وصرحت مجموعة من النقابات بأن الوضع الاجتماعي بالمغرب مشتعل. مطالبة بالزيادة في الأجور، وتخفيض الضغط الضريبي على الأجور. وحسب المندوبية كذلك فإن ارتفاع الأسعار للمنتوجات الغذائية بلغ 8.2 خلال شهر مارس 2023. كما تم ارتفاع مؤشر التضخم الأساسي.
والفضيحة الكبرى هو تشكيل لجنة مؤقتة لتسيير شؤون الصحافة والنشر، والأصل هو تشكيل لجنة يترأسها قاض للإشراف على تنظيم الانتخابات كما ينص على ذلك القانون. وهذا الإجراء خارج الدستور والقانون والأعراف الديمقراطية. وكأننا في حالة استثناء في هذا القطاع. والأدهى من ذلك أن اللجنة وضعت على مقاس القبيلة والغنيمة كما قال الجابري رحمه الله. ومن تم تطرح شبهة المكاسب والمنافع. وقد وصف كل الوزراء الذي تقلدوا مهمة الإعلام بأن اللجنة غير شرعية. وصرح السيد نبيل بن عبد الله أن هذاالإجراء الحكومي ضد حرية الصحافة والنشر بالمغرب.
لقد ادعت الحكومة أنها عبأت ملايير متعددة من الدراهم كاعتمادات استثنائية سنة 2022 دعما للقدرة الشرائية، والمندوبية السامية للتخطيط تكذب ذلك في تقاريرها التي تصدمنا بمؤشرات مقلقة. إن المهنيين في الفلاحة يصرحون بأن نظام الإنتاج الفلاحي للخضر والفواكه في مأزق ومثير للقلق. نتيجة التضخم المتسرع إضافة إلى الأوبئة المهددة للمحاصيل. ورغم ذلك فإن الحكومة تدفع دائما بترديد أسطوانة مشروخة، مفادها أن مشاكل اليوم نتيجة إرث قديم. وتدعي أن الأزمة مصطنعة. طبعا عند أهل الحل والعقد في السلطة المالية التي تستفيد من السلطة السياسية. وتتحكم في مصير الملايين من المواطنين.
فهل فعلا أن المخطط الأخضر حسن وضعية الفلاحين؟ لماذا بلغ استيراد القمح 8.8 مليون طن من الحبوب؟ لماذا ارتفعت وتيرة استيراد الأبقار والأغنام؟ لماذا مخزون القمح يكفي فقط لثلاثة أشهر؟ أليست هذه الظواهر مؤشرات على أن المغرب يعيش أزمة نظرا للغياب الحقيقي للعمل الحكومي؟ بماذا نفسر انخفاض الإنتاج الوطني على جميع المستويات؟
هل سبق أن تعين إطارا في منصب عال لم يكن ضمن لائحة المرشحين الذين قدروا بخمسة فعاليات وطنية. لماذا تدخلت الحكومة وفرضت مرشحا لم يخضع للتداول في قطاع حيوي كالتعليم؟ إن السبب واضح حسب بعض التقديرات-رغم توضيح الحكومة-هو إخراج المنظومة التعليمية من بعدها التربوي إلى مستويات أخرى، لها مجالها ورجالاتها ونساؤها. إن هذا العمل غير دستوري وقانوني.
وإذا كان العدل أساس الملك، فإن حقيبة العدل داخل الحكومة نقطة سوداء. لم تراع المهنة الشريفة التي تحملها. ولم تقدر الارتباطات السيادية لمفهوم العدل للمكون الديني والحضاري للأمة المغربية. خاصة عندما تغتال اللغة الشريفة أثناء الخطاب الحكومي، وعدم ضبط الآيات القرآنية من قبل من يحمل حقيبة العدل. ومن تم فقد الأهلية في الخوض في قضايا شرعية. التي هي من صميم مقتضيات إمارة المؤمنين بهذا البلد الأمين.وكونه للأسف غير المبنى للإصطلاح والنص فقد سقط في المحظور لأن كل تغيير في المبنى يؤدي إلى تغيير في المعنى. ومن شروط الاجتهاد التحكم في لغة الكلام ودلالاتها السطحية والعميقة. وكونه رجلا سياسيا ليس من حقه أن يتجرأ على اختصاص إمارة المؤمنين، ويطالب الفقهاء بالابتعاد عن السياسة وكيف يسمح لشخصيته السياسية الخوض في الشؤون الدينية التي تعسف عن أصولها لسانا ودلالة. إذن عنوان الحكومة الحالية الإفلاس المدني والديني.
إنها حكومة فاشلة، تتجه إلى الخطر، ومقاربتها بمنطق الأعمال والمال، وتتهرب من الصحافة، والسياسة أصلا هي قول الحقيقة للمواطنين كما صرح بذلك السيد عبد الإله بن كيران. مضيفا أنها حكومة تحكم بدون ثقة، دون مقاربة صحيحة، دون “حنو” عن الشعب، ودون تواصل، ودون انسجام بين مكوناتها، واسترسل قائلا من أوقف “راميد” ليس له قلب، ولا “كبدة” على المواطن البسيط. حتى ختم تقويمه بالسؤال التالي: إلى أين نسير؟ ويؤكد نورالدين مفتاح على أن الأسعار مشتعلة، والفقر ازداد هشاشة، والفئة المتوسطة في تراجع خطير. والحكومة عاجزة لماذا ؟ لأنها باختصار حسب تقديري لا لون لها ولا شكل ولا رائحة. تعيش بين ثنائية ضدية قطبها الأول مثالي: الورد والوجود، وقطبها الثاني واقعي: الموت والرماد.
رغم كل هذا فالحكومة تصرح للأسف الشديد بأن المشاكل المثارة في المغرب طبيعية، إذن لم تبق مصطنعة كما صرحت بذلك من قبل، مضيفة أن الحكومة تتق في قدرتها على مواجهة الأزمات. وأخيرا وليس آخرا نؤكد بالملموس أن ما وعدت به الحكومة تبخر. والصنم الذي بني على الوهم هوى. فهل من خلق الاعتراف لأنه فضيلة؟ إننا نعيش خريفا اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا وثقافيا، وقديما قال جبران خليل جبران فيما معناه إن الطبيعة تتآوه خريفا وتبكي شتاء وتبتسم ربيعا وتضحك صيفا. ونحن في مرحلة التضجر. بيتنا الكبير بدآ يفقد قيمته، ولأن الهندسة الحكومية بنيت على الهشاشة الانتخابية، والسياسية. والذي تسببت في التهميش. الذي نتج عنه اغتيال المهارات والتعلم والعيش الكريم. والأخطر هو صيام شهرزاد عن الكلام بعدما استبد غلاء الأسعار وارتفعت نسبة التضخم وسعر الفائدة. إنها حكومة فاقدة للهوية، والبوصلة والمرجعية. لقد تسببت في ثقافة الألم، وغيبت ثقافة الأمل، حتى أصبحت عبءا على السماء والأرض.