الألباب المغربية / محمد المتوكل
كفار قريش عندما أخذوا من كل قبيلة رجلا، وذهبوا ليقتلوا النبي عليه السلام، ظلوا واقفين على باب بيته طوال الليل في انتظار أن يخرج لصلاة الفجر، ورغم أنهم كانوا قادرين أن يقتحموا البيت من أول لحظة، ويهدموه على رأس كل من فيه فإن أحدهم حاول أن يقترح الفكرة مجرد اقتراح، لكنها قوبلت بالرفض، فرد عليه أبو جهل بكل عنف: ( وتقول العرب أنا تسورنا الحيطان وهتكنا ستر بنات محمد ) فكفار قريش كان عندهم الحد الأدنى من النخوة والرجولة، وكانوا يعرفون أن البيت فيه نساء، ولا يجوز اقتحامه، ولا يجوز كشف سترهم، أو انتاهك خصوصيتهم.
فأبو جهل حينما غضب، وضرب أسماء بنت أبي بكر (رضي الله عنهما ) على وجهها طيشاً، ظل يترجاها ويقول لها: (خبئيها عني، خبئيها عني)، أي لاتخبري أحدا، أي لا تفضحيني، ويقول الناس أني ضربت إمرأة، وأبو سفيان لما كان كافراً، خرج مع قافلة من قريش في أرض الروم، فاستدعاهم هرقل ملك الروم ليسألهم عن محمد عليه السلام، فسألهم هل تتهمونه بالكذب؟ هل يغدر؟ هل يقتل ؟ فرد أبو سفيان قائلا ( فوالله، لولا الحياء أن يأثروا علي الكذب لكذبته)، يعني انه رفض شتم النبي عليه السلام لأنه خاف إذا رجعوا مكة، أن يقال إن أبا سفيان كذب، وخاف على سمعته وهو كافر، فالعظمة هنا ليست موقف أبا جهل، أو موقف أبا سفيان، إنما العظمة في المجتمع، نعم المجتمع الجاهلي الكافر لأنه كانت عنده أخلاق وعزة وإنسانية ونخوة وانفة.
أما الآن فلا تكاد ترى إلا سفك للدماء وهتك حرمة البيوت على الملأ، والتفاخر بقلة الشرف، والدناءة في السلم والحرب وكل ذلك باسم الإسلام والإسلام بريء من ذلك كبراءة الذئب من قميص يوسف.
فإذا اختلفنا مع مسلم فقط وليس مع كافر، فلا نكاد إلا أن نتراشق معه بالسب، والقذف واللعن والغمز واللمز والنهر والسخرية والاستهزاء والعنف والضغط و(البوليميك الخاوي وفريع المخ)، ونؤلف عنه القصص والروايات وننسج عنه الأساطير ونسيء إليه وإلى نسبه وإلى وشرفه ونمارس عليه كل أنواع الظلم والبروباغاندا نقتله معنويا وماديا ونسلط عليه كل القواميس التي تنهل من المعجم المرحاضي الوسخ ونفعل فيه الأفاعيل ونؤلب عليه الرأي العام والخاص ونشغل عليه أدوات المراقبة والتجسس والتخابر محليا وجهويا ووطنيا ودوليا وننافقه وفي المجالس ونحرض عليه في السر والعلن ونحقده في الظاهر والباطن وننافسه منفسة غير شريفة وغير متكافئة ونحضيو معاه راه دخل راه خرج راه مشا لهاد الجهة راه مشا لديك الجهة راه فاعل راه تارك راه مزوج راه مطلق راه مصاحب راه خرج على والديه راه ساحرة ليه المرا مراتو تادير مو تاتفعل باه فاع وتارك خوه كذا طختو كذا، أما اذا جاءتنا قصة عمن اختلفنا معه صدقناها وزدنا فيها الملايير الممليرة من الأطاذيب والإشاعات والخرافات والخزعبلات والمدلهمات التي لا تمت إلى الحقيقة بصة بل ونشرناها عنه وبنينا عليها المواقف والرؤى والخطط والاستراتيجيات وغيرها من وسائل الهدم و(التطياح والترياب).
هذا هو قومنا مع بعض الاستثناءات طبعا للأسف الشديد تجد (كحل العفطة وكحل الراس)، لا شغل ولا مشغلة الا الاصطياد في المياه العكرة، والعيش في اتون (التخلويض والتمكريه) والحسد والحقد والكراهية ومحاربة كل ما هو جميل، (بنادم شاب راسه في (التاحراميات) والقيل والقال وكثرة السؤوال و(التبلحيس) لأولياء النعمة من اجل قهوة لا تساوي ستة دراهم للاسف الشديد، بشر كل همه هو أن يرى أخاه المسلم في أزمة وشدة وضيق، ولا يرتاح له بال الا اذا حقق هذا الهدف الخبيث خبث قلوب هؤلاء الأحباش الذين قطعوا العلاقة بينهم وبين الله تعالى، ولم يبق لهم الا تنفيذ أوامر ابليس اللعين من أجل جمع الجميع في سلة تقذف بهم جميعا في نار جهنم اذا لم يتوبوا.
ماذا سينفعك حقدك وحسدك لمسلم او لمسلمة او لشخص ما؟ ماذا سيفيدك (تخلويضك) وعنترياتك المزعومة ضد شخص لو انفقت ما في يمينك وشمالك على أن تصل الى هدفك الملعون لأنفقت حياتك كاملة دون أن تمش شعرة منه، فالحياة قصيرة ولا تدوم لاحد، والعبرة لمن اتقى وليس لم عاش حياته على (التقلقيل والتبركيك والتحسريف والتبلحيس)، وأن الدنيا سائرة بك أو بدونك، وأن الله مبتلي العباد على ما صرفوا من مواقف في الدنيا قبل الأخرة، وأن (التاحراميات) هي صفات أولياء الشيطان وأن الشيطان كان للرحمان عصيا، قال تعالى، “إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”، وأن الدين الحقيقي أخلاق وليس روايات وٱيات تعلق على جدران البيوت وعلى واجهات المنازل وزجاج السيارات.