الألباب المغربية/محمد خلاف
يقال قديما أنه لا يمكن الثقة بكلام سياسي أو مسؤول له بطن يمتد أمامه نصف متر!… من منطق أن الشخص الذى لا يستطيع السيطرة على شهواته ومنها الأكل لا يستطيع أن يقتنع بالقيم والمبادئ، ويخدم الصالح العام!، ولنا عبرة في الرسول محمد صلى الله عليه وسلم الذي كان له حديث صريح وحاسم فى موضوع الكرش بالذات، فيقول جعدة بن خالد: إن الرسول رأى رجلا عظيم البطن، فأشار بأصبعه فى بطنه: (لو كان هذا، فى غير هذا، لكان، خيرا لك).
ولا يخلو أي مجتمع مما نسميه نحن المغاربة ب”كروش الحرام”… فالرجل الذي يكذب على المواطنين في الحملة الانتخابية، ويمطرهم بالوعود المعسولة والمغرية، وعندما يحقق ما كان يهدف إليه، ويصبح مسؤولا في الجماعة، أو ممثلا الأمة في البرلمان، أو وزيرا في الحكومة، ويتنكر لمن وضعوا ثقتهم فيه، لا يمكن أن يندرج إلا في خانة “كروش الحرام”… والذي يمد يده إلى المال العام، أو يستغل منصبه لابتزاز الناس، أو يتٱمر مع مقاول من أجل اقتسام “كعكة” الصفقة، وتزكية الغش في الأشغال، هو كذلك من أصحاب “كروش لحرام”… وحتى المسؤول الحزبي، أو الفاعل الجمعوي الذي يستغل العمل السياسي والجمعوي من أجل الترقية في المناصب، وتسلق الدرجات، ينطبق عليه اسم “كروش الحرام”… وهل هناك فعلا علاقة تجمع بين مصطلح “كروش الحرام” وحجم البطن أم لا، خاصة إذا علمنا أن عددا من الأشخاص الذين كنا نعرفهم، لم تكن لديهم بطون منتفخة، قبل أن يتولوا مناصب المسؤولية… قد يكون الأمر له علاقة بالأكل، وبنوع الأكل كذلك، بدليل أننا إذا تصفحنا صور بعضهم على سبيل المثال لا الحصر _ كيف كانوا وكيف أصبحوا، لا يمكن إلا أن نستغرب وننبهر أمام حجم التغيير البدني، والاجتماعي الذي طرأ عليهم، وفي حياتهم اليومية والمعيشية… ففي الوقت الذي نجد السواد الأعظم من الموطنين يتصارعون يوميا مع صروف الدهر لتوفير لقمة العيش والحفاظ على ماء الوجه والقناعة بما يسر الله، رغم العلم بأن الراتب الشهري لايكفي لتسديد مصاريف الماء والكهرباء والكراء بالنسبة للغالبية العظمى مع تخصيص جزء من هذا الراتب لتسديد الديون المتراكمة، نجد طبقة أخرى لا تتوفر حتى على هذا الوضع منها من حصل على شواهد عليا ووجد نفسه في الشارع يهدد بحرق نفسه بعد أن فقد الثقة في الوعود الفارغة وبعد أن سئم من مد اليد إلى الأم لتمنحه ثمن شراء جريدة عله يجد في طياتها إعلانا عن مباراة أو وظيفة أمام هذا الأمر نجد بالمقابل فئة أخرى من المنعمين منهم ممن حصل على المال بطرق غير شرعية وساهم في ارتفاع مستوى المعيشة.
وسأتحدث بالضبط عن ”كروش لحرام” بلاربعا مادمت انتمي إلى هذه البقعة الطاهرة التي افتخر واعتز بالانتماء إليها مادامت أنجبت رجالا شهد التاريخ على نبل أخلاقهم وشيمهم .يبدو أن كروش لحرام بدأت تتساقط كأوراق التوت تباعا بالمدينة بعد أن عاثوا فسادا وحصلوا على المال بالمتاجرة في العقارات والتسمسير، والتخلويض والرشوة والزبونية والسرقة و…. وقريبا سيأتي القرار على غالبية كروش الحرام بالمدينة سواء أكان قرارا من جهات مسؤولة أو قرارا ربانيا بالمصائب والحوادث والسرطانات والأمراض الغامضة المستعصية والذل في الدنيا قبل الآخرة.
كيف لأمي لا يفرق بين الألف والزرواطة وتجده مخرج عينيه مع العلم انه لم يدرس حتى في ”لمسيد” فتراه يتحكم في زمام بعض الأمور عبر بعض التشلهيب والتملق والمسكنة… كل هؤلاء ساهموا إ في تردي الأوضاع بلاربعا.
لهذا وجب التصدي لكروش لحرام الذين يتحكموا في زمام الأمور ،والكل مطالب بأن يساهم في إنجاح أوراش الإصلاح عن طريق اختيار الرجل المناسب في المكان المناسب، والبداية تكون بالذين يسهرون على تدبير الشأن المحلي فلا يجب أن نستسلم لاغراقاتهم المادية فإذا منحك اليوم درهما حراما فلا تنتظر منه أن يجلب المشاريع إلى المنطقة ولا أن يساهم في تقريب الإدارة من المواطن ولا أن يسهر على مصالح المواطنيين، فأنتظر في الغد بأن يشير إليك فقط بالأصابع أنه اشتراك، فهم يريدون الحصول على تلك المناصب فقط لحماية مشاريعهم والحصول على الحصانة البرلمانية للتستر على خروقاتهم.
وصدق الشاعر حين قال:
هي الأمور كما شاهدتها دول فمن سره زمن ساءته أزمان
وهذه الدار لا تبقى على أحد ولا يدوم على حال لها شأن
ولمن لايعلم من كروش الحرام أن تأثير أكل المال الحرام كبير جدا عليه وعلى ذريته أفصل لهم الأمر حتى يعتبروا، حيث إن نطفة الحرام أرض صلبة لتعاسة الذرية، قال تعالى: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ}.(سورة عبس، الآية:24) وأن للغذاء الحرام تأثيراً بالغاً على مستقبل الطفل قبل انعقاد نطفته، فاذا انعقدت النطفة من الحرام سيكون ذلك بمثابة الارض الصلبة لتعاسة الطفل وشقائه،كما أن المال الحرام يورث ظلمة القلب، قال تعالى: ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾. (سورة المطففين، الآية:14)… فالقلب اذا امتلأ بالحرام، انغلق عن المعنويات، وأوصدت نوافذ الهداية فيه، فالابتعاد عن الحق وهجران الانسان لبارئه واقترافه المعاصي والتعدي على حقوق الناس، مقدمة طبيعية تقود الى ظلمة القلب، إذْ إن من جملة الأسباب الرئيسة لعدم توطين النفس للحق وعدم اتباع الصراط السوي، أكل المال بالباطل، فالأموال التي يحصل عليها بطرق غير مشروعة وأسباب غير مرضية عند الله تعالى، تطبع على القلب بظلمتها، كما أننا نجدهم أيضا يعانون من التخبط في السلوك: يشبّه القرآن الكريم، آكلي المال المحرم بأنهم متخبطون، و «التخبط» في اللغة، هو الضرب الشديد. و خبَط البعيرُ بيده، يَخْبِطُ خبْطاً ضرب الأَرض بها قال تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}. (سورة البقرة، الآية:265)……
وقد أثبتت التجارب الانسانية والتاريخية عدم وجود شخص كسب من الحرام والاحتيال، وعاش حراً سعيداً ثم مات كريماً، ودليلنا على ذلك، السنن الالهية الحاكمة التي صدّرنا الكلام عنها، بمعنى أن من يعتمد على التحايل وسرقة أموال الناس، بمنزلة المتنكّر للسنن والقوانين الإلهية في الحياة.