الألباب المغربية/ محمد خلاف
تعددت عبر تاريخ مديد؛ وباختلاف المشارب والمرجعيات الفكرية والايديولوجية؛ تعريفات كلمة إنسان من مفهوم صوفي ديني إلى ٱخر لغوي معجمي؛ الى مفهوم فلسفي معياري له صلة بالأخلاق؛ فأضحت الإنسانية تتشكل برغبته وإرادته؛ وليست قدره المحتوم؛ في غنى تام عن علاقته بطبيعته وواقعه؛ فأما أن يكون إنسانا أو لا؛ بمتحكمات الوراثة؛ والبيئة؛ والغذاء وقابلية التعلم والنضج. وبهذا تحددت جدليا مفاهيمه للحياة؛ فأصبحت بكل تفاصيلها مجموعة من التجارب المتراكمة بمواقفها السلبية والايجابية نعيشها أو نتعلمها؛ فهي ليست طويلة حتى نجرب كل شيء؛ ولا قصيرة حتى نتذكر كل شيء؛ لكنها جميلة طورا وقاسية طورا ٱخر؛ قساوتها تتطلب صبرا؛ وقوة؛ واعتقادا راسخا أن هناك شيئا جميلا قادما؛فعندما يشعر المرء بالوحدة وسط الجموع المحيطة؛ ويفقد الحب لديه طهارته؛ ويبادل العطاء؛ والتضحية بالخيانة؛ وتعجز العين واللسان عن أداء المهمة؛ فتلك قساوة الحياة الطولى؛ فلا حزن ولا كدر أمام سهم غادر؛ قاتل؛ ففي الحياة ما يستحق أن نحيا لأجله؛ فالخير والشر مردودان بالمثل؛ وأما جمالها فهو كطفل كثير الحركة وعدم الاستقرار؛ يسعى دوما الى التقليد والعناد؛ كثير الاسئلة؛ مولع بالتنافس والتناحر.
فما أجمل شاعر الغربة والثورة أحمد مطر حين أصر أن يحيا لحظات الحياة الأخيرة المتبقية الى أقصاها في قصيدته طائر الأماني.
فوراء كل انسان غير عادي طفولة غير عادية؛ طفولتي كعالم مخملي مرت بأمان بين أزقة وشوارع المدينة؛ بأحداث وخبرات؛ بألعابها الشقية كحروب الأحياء؛ وصيد العصافير بالفخاخ وتربية الكتاكيت والألعاب الموسمية؛ تعلمت العناد والجرأة والسعادة والنسيان؛ شبابي حكمته أخلاق وقيم؛ احترمت الجميع؛ حملت رسالة وقضية؛ لم أتمرد عن الأمور المحيطة؛ أحببت المغامرة الايجابية وعدم الخوف من الفشل؛ تفتح عقلي؛ انفجرت مواهبي؛ ابتسمت للحياة؛ تعلمت التأني؛ وأن النجاح يأتي بعد أن تكون لك قيمة؛ وأنه من الضروري أن يمر بمحطات اليأس والتعب والفشل؛ فقط سلاح الارادة القوية يجعلك تقف قليلا عند هذه المحطات؛ كم من الشوق الى ثانوية بئر انزان لي بها ذكريات تلوح كالوشم في ظاهر اليد؛ زمن الجيل الذهبي؛ فخبرت الحياة العملية بعيدا هناك بسوس؛ وتعلمت منها تجارب بأثمنة مخلتفة؛ كانت باهضة أحيانا؛ علمتني أن أجمع بين القسوة والجمال في ٱن واحد. شعرت بالغربة الصعبة في وطني؛ عشت أوجاعها فشعرت كأني دودة محبوسة في شرنقة أتعذب لأخرج فراشة جميلة؛ فقدت حديث من أحب؛ علمتني الغربة من أكون؛ وأن أتقاسم كل شيء مع من حولي لأصنع عالمي ومحيطي الذي اخترته؛ تعلمت أن بالأولاد تظهر قيمة الٱباء؛ وبالظلم تظهر قيمة العدالة علمتني الغربة معنى أني مغربي؛ تعلمت أن صدام حسين كان على حق حين قال؛ لسان الناس كتاب على الأرض؛ فلا تهمل قراءته؛ ولا تصدق كل ما تقرأه فيه؛ وهكذا صرت إنسانا.