الألباب المغربية/ عزيز لعويسي
من جريمة هتك العرض الجماعي التي طالت طفل على هامش فعاليات موسم مولاي عبد الله أمغار بإقليم الجديدة، من قبل شرذمة من المنحرفين، إلى قضية زنا المحارم، التي نزلت كالصاعقة على ساكنة جماعة المنزه نواحي عين عودة، على خلفية اعتقال أب وابنته، من أجل زنا المحارم والفساد، في ظل شبهات ذات صلة بإنجاب فتاة “أربعة” أبناء من والدها، قد تختلف الظروف والسياقات والمشتبه فيهم والضحايا والآثار والتداعيات والمآلات، كما قد تختلف القراءات والمقاربات والرؤى ووجهات النظر، لكن الخلاصات واحدة، أننا صرنا وجها لوجه، أمام جرائم غاية في الوحشية والهمجية، ضد قواعد الدين والقيم والأخلاق والفطرة الإنسانية، تعكس في شكلها ومضمونها، ما وصل إليه المجتمع، من مظاهر الشذوذ والانحطاط والعبث والتفاهة والانهيار القيمي والأخلاقي والسلوكي، أمام مرأى ومسمع صناع القرار، وكافة مؤسسات التنشئة الاجتماعية، التي تكتفي بلعب دور “الكومبارس”، وهذا الواقع المأسوف عليه، يهدد اللحمة الوطنية والتماسك الاجتماعي، ويقوي الإحساس الفردي والجماعي، بمستقبل مطبوع بالقلق والخوف والتوجس؛
إذا كانت الأولوية اليوم، لابد أن تتجه نحو الطفل ضحية الاعتداء الجنسي الجماعي بموسم مولاي عبد الله أمغار، وإحاطته بما يلزم من الدعم والحماية النفسية والاجتماعية والتربوية اللازمة، شأنه في ذلك، شأن الأبناء ضحايا العلاقة المحرمة بين “الأب” و”الإبنة”، فإن الأولوية الثانية، لابد أن تتجه موازاة مع ذلك، نحو محاولة فهم الأسباب الحقيقية التي رفعت من منسوب الجريمة والانحراف داخل المجتمع، بعدما ذابت الحدود والحواجز الدينية والقيمية والأخلاقية والفطرية، تاركة حالة من التيه والعبث، برزت معها، سلوكات وتصرفات وممارسات، تجاوزت عتبات الجريمة الاعتيادية، إلى مستوى الانحراف الوحشي والهمجي، ودرجة الإجرام الشاذ المنتهك للفطرة والإنسانية التي تجمعنا؛
ما حدث ويحدث من جرائم وانحرافات سلوكية غاية في الوحشية والهمجية، يسائل السياسة الفاسدة، التي أنتجت الفقر والهشاشة والإقصاء الاجتماعي، والأسر المفككة، التي تتقاذفها أمواج التيه والضياع، في غياب أدنى شروط المواكبة والدعم النفسي والاجتماعي، والإعلام التافه، الذي ضرب القدوة، وحول التافهين إلى نجوم ساطعة، والمدرسة المرتبكة، التي لازالت أبعد من الريادة والجودة والعدالة والإنصاف، والأحزاب السياسية التي طلقت المجتمع وقضاياه طلاقا لا رجعة فيه، والمنتخبون الفاسدون “مع وجود الاستثناء طبعا” الذين لا يمثلون إلا أنفسهم، فضلا عن هيمنة ثقافة التطبيع مع العبث والفساد، وضعف آليات الضبط والرقابة وربط المسؤولية بالمحاسبة، ولا حل أو حلول في الأفق، ما لم تتحمل المؤسسات الفاعلة في المجال التربوي والديني والاجتماعي والإعلامي والثقافي والسياسي والأمني والقضائي، دورها كاملا، وما لم تحضر الإرادة المنشودة من جانب الحكومات المتعاقبة، اعتبارا لمسؤولياتها المواطنة، في صناعة الأمل ومحاربة الفقر والهشاشة، وضمان الحق في التعلم والسكن والشغل والصحة للجميع، وحماية الطفولة، وتنزيل سياسات تنموية حقيقية، تعيد ثقة المواطن في الدولة والقانون والمؤسسات، وتحصن المجتمع من كافة أشكال الجريمة والانحراف؛
وفي المجمل، فأن نصل حد الاعتداء الجنسي الجماعي على طفل قاصر، ودرجة زنا المحارم بين الأب وابنته أو بين الأب وزوجة ابنه كما حدث في منطقة قلعة مكونة، فكلها انحرافات سلوكية جسيمة لا يقبل به دين ولا أخلاق ولا قيم ولا قانون ولا فطرة إنسانية، تفرض إعادة ترتيب الأولويات والتوجهات والاختيارات، فالمنجزات التنموية والصروح المعمارية العملاقة، تبقى بدون معنى أو مغزى، ما لم تكن تسايرها سياسة حقيقية، تروم بناء الإنسان المواطن والاستثمار فيه، فيكفي استثمارا في مواسم الرذيلة والمنكر ومهرجانات التفاهة وإعلام السخافة…، فالإنسان هو من يضمن التربية ويحرس القيم ويبني الأوطان، والرهان على صناعة الضباع والتافهين والعابثين، هو أكبر جريمة تتهدد الوطن ومناعته وسلامته. ومهما قيل أو ما يمكن أن يقال، فزنى المحارم الآخذ في التمدد، هو تجلي صامت، لما ينخر جسد الوطن من فساد، متعدد الزوايا والمستويات، فهناك من ينتهك العرض أو يغتصب أو يقترف زنا المحارم، وهناك بالمقابل من يفتض بكرة الوطن مع سبق الإصرار والترصد، بجشعه وأنانيته ووصوليته وانتهازيته وانعدام مسؤوليته وقلة حيائه، فكلهم سواء في المنكر وسواء في الجريمة والانحراف…