الألباب المغربية/ ميمونة الحاج داهي
ما يجري في مدينة الداخلة أكثر من نزاع قضائي بين مسؤول جماعي وناشطي الإعلام المحلي، إذ يعكس حالة توتر بنيوي بين السلطتين السياسية والمدنية تبرزها مطالب متصاعدة لتعزيز الخدمات والشفافية، ويتقاطع فيها حكم المجال الإداري مع رهانات الحريات الأساسية في سياق يُفترض أنه يسير نحو تكريس دولة الحق والمؤسسات. وفي هذا السياق، تُظهر المتابعات القضائية كآلية محتملة لتكميم أصوات الانتقاد، حيث تحمل دلالاتها ما يتجاوز مجرد سب أو قذف؛ إذ تطرح تساؤلات جوهرية حول مدى التوازن بين حماية السمعة وحق حرية التعبير، خاصةً عندما تكون الانتقادات مؤسّسة على معطيات ميدانية مهمة كمشاكل الصرف الصحي، ضعف الإنارة العمومية، وتردّي خدمات النظافة.
المتابعات القضائية التي استهدفت الصحفي محمد شراقة والمدوّن يونس الرياحي تُفهم، في السياق العام، كرسالة مبطنة إلى الفاعلين الإعلاميين والمدنيين مفادها أن انتقاد أداء المجالس المنتخبة قد يُجرّ إلى المساءلة الجنائية، حتى حين يكون ذلك النقد مستندًا إلى وقائع ملموسة تؤثر على الشأن العام. هنا تُطرح تساؤلات حاسمة: هل تُعد هذه التدوينات خرقًا للحياة الخاصة؟ أم أنها ممارسة مشروعة لحرية التعبير والنقد البنّاء الذي يخدم تطوير الإدارة المحلية؟
يبدو أن المجلس الجماعي يعيش حالة من الإرباك الداخلي بفعل تصاعد الانتقادات المجتمعية وتراجع الثقة في تدبيره للخدمات الأساسية، مما يُضعف شرعيته التمثيلية ويجعله أكثر حساسية تجاه أي صوت ناقد. هذا الإحساس بالتهديد قد يكون أحد الأسباب وراء لجوء رئيس المجلس إلى القضاء في محاولة لفرض نوع من الردع، وهو رد فعل يراه البعض تقدميًا انتخابيًا مبكرًا يهدف إلى ضبط إيقاع المشهد الإعلامي والمجتمعي قبيل الاستحقاقات القادمة.
لا أحد ينكر أن لرجال السياسة والإدارة الحق في اللجوء إلى القضاء لحماية سمعتهم متى تعرضوا لتشهير حقيقي أو ادعاءات كاذبة، لكن هذا الحق يجب أن يُمارس في إطار من التناسب والاحترام لحرية التعبير كما نصت عليه المواثيق الدولية، وعلى رأسها العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية (المادة 19)، وكذلك الدستور المغربي الذي يضمن حرية الصحافة والرأي ضمن حدود لا تُفقدها جوهرها.
عموما تمثل هذه القضية اختبارًا حقيقيًا لنضج الفاعل المحلي وقدرة المؤسسات على الموازنة بين مقتضيات التدبير العمومي والحفاظ على الحريات الفردية، حيث يُعد الإعلام الجاد شريكًا في البناء الديمقراطي وليس خصمًا يجب إخماده بأي وسيلة كانت.