الألباب المغربية/ محمد لعريشي
ليلة البارحة، عاشت بعض المدن المغربية على وقع أحداث احتجاجية كشفت حجم الغضب الشعبي الفوضوي، وأعادت طرح سؤال محوري ظل يتكرر منذ عقود: هل المغرب اليوم يدفع ثمن غياب إصلاح حقيقي للمنظومة التعليمية؟ فالتعليم الذي كان يفترض أن يكون رافعة للتنمية والتحرر الاجتماعي تحول إلى أحد أكبر الأعطاب البنيوية التي تعيد إنتاج الهشاشة والبطالة وتغذي شعوراً عميقاً بالإقصاء وفقدان الأمل.
لقد ظلت المنظومة التعليمية رهينة إصلاحات متقطعة وخطط كبرى لم تجد طريقها إلى التنفيذ الفعلي، لتبقى النتائج هزيلة أمام انتظارات المغاربة. لم يعد الأمر يتعلق فقط بجودة التكوين أو ملاءمة المناهج، بل صار أزمة مجتمعية شاملة، إذ أن كل فشل في التعليم ينعكس على سوق الشغل، وعلى ثقة الشباب في المستقبل، وعلى الاستقرار الاجتماعي برمته.
الاحتجاجات التي خرجت إلى الشارع تحمل في جوهرها حقاً مشروعاً في المطالبة بالكرامة والعدالة الاجتماعية، غير أن الوطنية الحقيقية لا تقاس بحدة الغضب ولا بمدى التخريب، بل بقدرة المواطن على الدفاع عن حقوقه بوسائل سلمية تعبر عن قوة الموقف لا عن فوضوية الانفعال. فالاحتجاج فعل وطني راقٍ حين يبقى في حدوده السلمية، لكنه يفقد رسالته عندما يتحول إلى وسيلة هدم بدل أن يكون قوة ضغط إيجابية من أجل الإصلاح.
في المقابل، أصدرت الحكومة بياناً أكدت فيه استعدادها للحوار، غير أن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو : من يمتلك الرزانة والشرعية لتمثيل صوت الشارع في هذا الحوار؟ فالتفاوض ليس مجرد إعلان نوايا، بل يحتاج إلى طرفين متوازنين، حكومة تقدم التزامات واضحة، وممثلين اجتماعيين يتحلون بالمسؤولية والقدرة على التفاوض بعيداً عن منطق التصعيد.
إن ما نشهده اليوم يتجاوز صراعاً حول مطالب آنية، ليعكس أزمة ثقة عميقة بين المواطن والدولة. المواطن لم يعد يثق في الوعود التي سمعها طيلة سنوات دون أن تترجم إلى واقع ملموس، والحكومة بدورها لا تجد مخاطباً يحظى بإجماع الشارع. وفي غياب هذه الثقة، يضيع الزمن التنموي، ويستمر الوطن في دفع كلفة ثقيلة من الاستقرار والأمل.
الإصلاح التعليمي لم يعد ترفاً مؤجلاً أو ورشاً ثانوياً، بل صار شرطاً أساسياً لبناء أي نموذج تنموي ناجح. فالمغرب لا يمكن أن يؤسس لمستقبل واعد إذا ظل التعليم الحلقة الأضعف في بنيانه الاجتماعي والاقتصادي. والحل يبدأ من شجاعة الاعتراف بفشل السياسات السابقة والانطلاق نحو إصلاح جذري يضع الجودة وتكافؤ الفرص في صلب المشروع الوطني.
إن الوطنية الحقيقية اليوم ليست في رفع الشعارات العابرة ولا في الانجرار إلى الفوضى، بل في الإصرار على بناء تعليم قوي يليق بمستقبل المغاربة، وفي جعل الحوار أداة لتقريب المواقف لا لتكريس القطيعة. فالغضب الشعبي، إذا تحول إلى قوة اقتراح مسؤولة، قد يشكل بداية طريق جديد، شرط أن تتعامل الدولة مع اللحظة برزانة وجرأة تضع المصلحة العامة فوق كل اعتبار.