قضيتنا لهذا العدد قضية يمكن تعميم وصفتها على عدد من المناطق المغربية وأقاليم المملكة الشريفة، استدراكا لما وجب التَّعامُل معه في إطار الحوار المسؤول ضمن سياقاته المتنوعة في هذا الإطار بقدْر كبير من الحيطة والحذر، والفطنة والتنبُّه، من خِلال استِقْراء القالب الذي أُطر من خلاله لعمليَّة الحوار في سياقاتِها المتنوِّعة – حيث يستنتج من خلال ما يجري أنَّ ثمَّة أغراضًا غامضة في ظاهرها..
ذلك أنه يسجل بكل امتعاض ما ابتلت به عدد من المواقع من ممارسات وسلوكات تكرس للاستبداد والرد في إطار ملفوف بما هو حراك اجتماعي وما هو سياسي لتنعت بكل جلاء بالدكاكين السياسية، دكاكين دون أتباع رسميين تبتدع اختلاق الأزمات وتتعهد لسياسة من نوع آخر، سياسة متعدي الصفقات والمقاولات والمناسبات يعتاشون على أبوابها، مضاربون دلالون وسماسرة.. سياسة خلط المفاهيم وعشوائية وضع النقط فوق حروف كلمات السياسة والحراك الاجتماعي ولو من باب مخدر العصر عبر قاعات الشاشة العنكبوتية ولتأويل أي فكر هادف ومحاولة لفت الانتباه إلى ما يفيد هذا الوطن باعتماد أساليب التحريض على المشاكل، واختلاق الخصومات، لجني أرباح (؟؟؟؟؟؟؟) من ورائها!..
ومن هنا ننطلق من مدينة الدارالبيضاء، هذه المدينة التي تعتبر من المدن التي تتوفر على كل المقومات الضرورية للتنمية الاقتصادية والثقافية بانعكاساتهما الإيجابية على جودة نمط الحياة الاجتماعية لساكنتها نظرا لتميزها الطبيعي المتمثل في تنوع مصادر الثروات وقابليتها للاستثمار الاقتصادي المندمج في إطار سياسة منتجة للثروة والدخل في الدورة الاقتصادية الجهوية والوطنية، وتنوع مواردها البشرية وفحولتها وتعدد مرجعياتها الاجتماعية والثقافية، إضافة إلى مجالها الحيوي بموقعها التجاري المفتوح على كل الجهات الرئيسية للبلاد.
فهذه المقومات والمؤهلات والتي لو أدمجت في إطار سياسة تنموية بعقلية منتجة وحداثية ظافرة من طرف المسؤولين بالمدينة على أرضية أهداف محددة وواضحة وبمقاربة محفزة على الاستثمار لكان واقع المدينة متميزا عن واقعها القائم الذي يدعو فعلا إلى دق ناقوس الخطر نظرا لغياب الإرادة الواعية بضرورة التنمية لدى التشكيلات الإدارية والنخب المحلية التي تشرف على تدبير مواردها والتي أفرزت سياساتها كل مؤشرات الهشاشة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من فقر وبطالة وأمية وهجرة قروية ومناطق منكوبة مازالت تجتر أشكالا بدائية للحياة البشرية، فغياب التجهيزات الأساسية في بعض أحيائها ودروبها سافر مع نقصانها الملحوظ في هوامشها التي تعرف ترييفا متزايدا ومطردا مع التدهور المتواصل في البنيات التحتية وخصاص مهول في التغطية من الخدمات الاجتماعية الضرورية إضافة إلى استفحال كل الظواهر المرضية المرتبطة باقتصاد الريع والامتيازات وسيادة ثقافة الولاءات المنافقة وتعسفات البيروقراطية الإدارية المرابطة في كل القطاعات الوزارية والمرافق الإدارية بدار خدماتها ومجلسها التي تعمل على تنفيذ إملاءات الأوليغارشية المالية والتجارية والعقارية العدوانية، وأغلبية مجالس مقاطعاتها تعيش على حافة الإفلاس بحكم طبيعة النخب السياسية التي تتألف منها حيث يتسم تدبيرها بالمزاجية والإنتظارية “ونعني بها هنا انتظار التعليمات والاختباء وراء سلطة الوصاية” لأنها بكل بساطة نخب مفصولة عن قاعدتها الاجتماعية وغير واعية بمسؤولياتها الاجتماعية والتاريخية، فهي تفتقد في ممارساتها السياسوية أي تلك التي تعرف من أين تؤكل الكتف، لمقومات الفعل السياسي بأبعاده الإيديولوجية والبرنامجية والتنظيمية، وتفتقر لأي مشروع مجتمعي تنموي واقعي بأفق واعد قادر بأهدافه وغاياته على تأطير الساكنة وتعبئة الكتلة الناخبة، وما تجتهد فيه هو تكريس واقع الأزمة المستفحلة التي أصبح تراكمها يشكل عبئا تاريخيا على كل الأصعدة عن طريق تبنيها لسياسة الهروب نحو المجهول دون أن ننسى ميولاتها الانتهازية السافرة وذلك عن طريق تغطيتها المشبوهة للنهب المسعور للمال العام وتفويت الصفقات العمومية الكبرى ومصادر الثروات لأصحاب النفوذ بدون وجه حق، وكما تعمل جاهدة لإحباط المحاولات الهادفة إلى استنهاض فعل تنموي واقعي حقيقي وازن وواعد عن طريق دعاياتها المغرضة.
إن انعكاسات هذا التدبير إجتماعيا وخاصة ملف التجهيز بالبنيات التحتية لن يكون إلا مزيدا من المعاناة بالمدينة، فرغم لغة الأرقام التي يحسن البيروقراطيون المرابطون في مواقع القرار بتحالفاتهم الملتبسة تلفيقها لتظهر الوقائع على مقاس أهوائهم، ورغم الخطابات المعسولة التي تدغدغ عواطف المحرومين وتغدي الوهم في وعي المضطهدين، فهذه اللغة وتلك الخطابات تعبر في العمق عن فطنة عقل مجرمة لأنها تقول أشياء كثيرة حتى وإن كانت تافهة أو موجهة لتسويغ هذا الاختيار أو ذاك، أو إلى شد الانتباه إلى هذا السيناريو أو ذاك إلا أنها تخفي الأهم والأساسي ولا تضع النقط فوق الحروف.
لقد تجاهلوا أن الوطن واحد وحولوه إلى أوطانا، والعائلة انقسمت إلى فرق وشيع، والمذاهب العقائدية اختلفت وتباينت وأصبحت قاب قوس أو أدنى من حرب ضروس لا تبقي ولا تدر، وأصبح كل متخذا “إلهه” هواه، فمن غاسل في الضوء ومن ماسح، ومن مصل قابض ومن سادل، ومن ملتح ومن أمرد، وكل حزب بليلاه يتغنى، وبما لدى مريديه الفرحون…
أما السياسة لدى البعض، فأصبحت الطموح إن لم نقل طموحا للسطو خيرات البلاد واستغلال ضعف وسذاجة العباد، ويكفي أن تكون قادرا ماديا على أن تمول في ظرف يوم أو يومين مجموعة من المغفلين والطامعين في امتياز أو منصب أو قضاء حاجة من حقهم واستعصت عليهم، ودون كاريزمية أو محطة تاريخية ولو كان اسمك نكرة في السياسة والثقافة فتكون حزبا أو جمعية أو منظمة، وتصدر بيانا ختاميا يتضمن ما عجزت عنه حتى حكومات الدول المتقدمة، وتصبح “زعيما” تتصدر صورتك جرائد الأقلام (المأجورة) والمواقع الالكترونية ببروفيلات مزعومة.
فهل من نهاية لهذه المهزلة ؟ الجواب والحل بيد الألباب من المواطنين… والعاقل لا يلدغ من الجحر مرتين، فالحلال بين والحرام بين وبينهما متشابهات، والفرق شاسع بين الطيب والخبيث، والغث والسمين، والظلمات والنور، وما بعد الحق إلا الضلال، وخير مثال على تمييع العمل والحقل السياسي كائنات لم تبلغ الفطام “تتجارى” قبل الأوان، وترى أن أصوات الناخبين قد أينعت وحان قطافها وأنهم والله لن يكونوا سوى أصحابها، ولا يفل الحديد إلا الحديد، وإن غدا لناظره لقريب، وسيعلم الانتهازيون إلى أي منقلب سينقلبون.