الألباب المغربية/ سمير السباعي
شهد المركب الثقافي كمال الزبدي بالدارالبيضاء يومه الجمعة 24 أكتوبر 2025، تنظيم ورشة فكرية تكوينية حول تقنيات النقد المسرحي من تنظيم وكالة الإنتاج الفني- جناح التامي- بتعاون مع المركب المذكور وبدعم من وزارة الشباب والثقافة والتواصل – قطاع الثقافة- وبمشاركة ثلة من النقاد المسرحيين المغاربة على رأسهم العميد عبد الكريم برشيد والمسرحي الحسين الشعبي رئيس النقابة المغربية لمهنيي فنون المهن الدرامية والناقد الكاتب محمد لعزيز إلى جانب الفنانين والباحثين في المسرح جناح التامي والصديق مكوار. أمكننا الإمساك عموما بثلاثة محاور موضوعاتية يبدو أنها شكلت أرضية هذا اللقاء الفكري التكويني الذي انعقد في حضور ثلة من الباحثين الأكاديميين في المسرح وعدد من الفاعلين والفاعلات في الحقل المسرحي ببلادنا. أولا، نجد أن مساحة مهمة من مداخلات الندوة اتجهت نحو الحديث عن الماهية الابستمولوجية للنقد المسرحي كممارسة فكرية لها تقنياتها ومهاراتها الخاصة التي تروم في العمق مناقشة البعد الجمالي والفني الإنساني في الفعل المسرحي منذ ولادة لحظة التلقي لهذه المسرحية أو تلك إلى ما بعد نهايتها، بشكل يسمح نسبيا بتوليد قراءة موضوعية كاشفة للمستوى الفني والإبداعي للعمل المسرحي المشاهد في كليته البنيوية بما يساعد المتلقي الجمعي على اكتشاف وإعادة قراءة العرض المسرحي بشكل مشهدي بعيدا عن أي نزعة محتملة لدى البعض لجعل المقالة النقدية وسيلة للتشهير الرخيص ببعض العروض أو تحويلها إلى صكوك لإصدار الأحكام المطلقة (جزء من مداخلة محمد لعزيز والحسين الشعبي). ما سيسمح ديناميا بتشكيل بيئة ثقافية واعية تستطيع استيعاب الفعل المسرحي واحتضانه والتماهي مع منجزاته بشكل موضوعي عبر تبني كل الآراء والمواقف الممكنة حول هذا العرض أو ذاك خصوصا إذا اجتنب الكاتب النقدي السقوط في منطق المحاباة، إن لم نقل الكتابة النقدية المدفوعة الأجر(جزء من مداخلاتي عبد الكريم برشيد ولعزيز).
ثانيا، بدى أن الحديث عن التقنيات الفكرية العملية الكفيلة بإنتاج كتابة نقدية موضوعية للأعمال المسرحية قد حظي هو الآخر بمساحة مهمة داخل هذا اللقاء، ذلك أن الإشارات كانت واضحة هنا بخصوص ضرورة تأهيل نقاد مسرحيين جدد قادرين على سبر أغوار العمل المسرحي وقراءة مكوناته الفنية وتلقيها في كليتها دونما الحاجة إلى تقليدانية الكتابة النقدية حول النص المسرحي فقط وإقصاء باقي عناصر العمل ككل، من انتباه إلى فكرة العرض ومرجعياتها وأشكال تطور سردية القصة داخل المسرحية إلى جانب لغة الحوار المسرحي مباشرة كانت أم رمزية وطبيعة تفاعل الممثلين سواء كان بينيا أو مع باقي عناصر العرض من ديكور وإنارة وباقي العلامات السينوغرافية للحقل المرئي للمسرحية ككل (جزء من مداخلتي عبد الكريم برشيد والحسين الشعبي). وصولا إلى رصد مجهود ما قام به المخرج من تقطيع فني مشهدي وحواري للعمل المسرحي قبل أن يغوص الناقد الكاتب في عتبة التلقي وما رصد ما أحدثه العرض من أثر عند الجمهور أثناء وبعد الفرجة (جزء من مداخلة الشعبي).
ثالثا، ظهر أن الكلام حول ممكنات تأصيل النقد المسرحي في مشهدنا الثقافي اليوم كممارسة واعية، قد احتل حظي بدوره بحيز في نقاشات هذه الندوة التكوينية، التي اعتبرت خطوة مهمة إن لم نقل فريدة في ترسيخ ثقافة جديدة داخل منطق ورشات التكوين الخاصة بالمسرح ببلادنا وهي تأهيل أقلام ناقدة تستطيع أن تكتب بشكل علمي موضوعي حول العروض المسرحية بعد تحقيق شرط المشاهدة الحية المباشرة، في إشارة إلى سعي واضح نحو إحياء هذا النوع من الكتابات النقدية التي كانت نشيطة في مغربنا الثقافي سنوات السبعينات وإلى حدود منتصف التسعينات من القرن الماضي سواء على صفحات الجرائد الوطنية أو المجلات المتخصصة (جزء من أحاديث نجاح التامي والصديق مكوار والحسين الشعبي). خصوصا إذا ما انتبهنا إلى أن تحدي تأصيل النقد المسرحي ككتابة نشيطة اليوم يستمد شرعيته إن صح التعبير من كون أن أغلب معاهد التكوين في الفن المسرحي والتنشيط الثقافي بالمغرب، تكاد لا تنتبه لما يسمى بمدرسة المتفرج وما يتطلبه الأمر من ضرورة وجود نقاد قادرين على تمكين هذا المتفرج الجمعي من فهم وقراءة الأعمال المسرحية عبر كتابات نقدية لا تنتج أحكاما تقييم مطلقة وجاهزة وإنما تساعد المتلقي وتمكنه عبر النص النقدي وما ينطق به من موضوعية تحليلية وتفسيرية من أن يبني هو نفسه، موقفا أو حكما إن لم نقل تمثلا معينا حول هذا العرض المسرحي أو ذاك (جزء من حديث لعبد الكريم برشيد) مع الأخذ بعين الاعتبار هنا ضرورة الانخراط الجدي والواضح للفاعل المسرحي ببلادنا اليوم والباحثين الأكاديميين في المسرح ليواكبوا عمليا الفعل المسرحي المغربي من داخل مسارحنا مع جعل النقد حاضرا في دفتر التحملات الفرق المسرحية ليكون آلية دينامية تواكب بالتأطير والتوجيه الرصين عمل الفرق المسرحية (من حديث الحسين الشعبي). ويبقى واقع الحال المسرحي في بلادنا مفتوحا على ضرورة رسم آفاق مستمرة للنقاش قصد الحفر في الصيغ الأكثر نجاعة لإعادة انبعاث فرجة مسرحية حقيقية في مسرحنا المغربي أساسها أعمال وعروض تنطق بوجودية الإنسان المغربي وقلقه وانتظاراته الجمعية إلى جانب الحفاظ على الحق في معانقة باقي المواضيع بكل حرية فكرية ممكنة وصولا إلى التصالح مع الفرجة القائمة على التلقي المباشر والحي للعروض المسرحية والمتقدة دوما بممارسات نقدية كتابية أو سمعية بصرية تسمح بتفجير القراءات التأويلية المتعددة حول هذا العمل المسرحي أو ذاك لنمنح مسرحنا المغربي أنفاسا أكثر دينامية وأصالة للحياة.