الألباب المغربية/ أحمد علي المرس
يواجه ميناء بني أنصار في الناظور تحديات متزايدة بسبب بطء الإجراءات الجمركية وازدواجية التسيير بين الجهات المعنية. واحدة من أبرز الجهات التي تُعتبر المحور الأساسي للمشكلات هي (“إم. س. يا” MCIA)، التي تُتهم من طرف الجميع بعرقلة سير العمليات الجمركية وتعطيل نقل السلع والبضائع، مما يفاقم التكاليف ويثني المستثمرين والموردين عن استخدام الميناء.
- (“إم .س. يا”) (MCIA): العائق الأكبر في الإجراءات الجمركية
من المفترض أن تساهم في تسهيل مرور السلع والبضائع عبر الميناء، لكن الواقع يشير إلى دور معاكس تمامًا؛ حيث تتسبب هذه الجهة في تعطيل الإجراءات الجمركية الأساسية، مما يؤدي إلى تراكم الشاحنات والبضائع في الميناء لأيام طويلة. هذا التأخير يرفع من حجم المصاريف، سواء من تكلفة مدة انتظار المركبات في “مرسى ماروك”، أو من حيث تكاليف استغلال المرافق المرتبطة بمكتب استغلال الموانئ.
هذا التعطيل يعكس جانباً من الفساد الإداري، حيث يأتي ممثل لجهة “إم. س. يا” ويلتقط صورًا للبضائع بحجة أنها تتبع إجراءات معينة تخضع لرقابة. هل الهدف فعلاً هو الالتزام بالقوانين أم فرض إتاوات غير مبررة ؟ مثل هذه الممارسات تعكس استغلال السلطة لتحقيق مكاسب شخصية غير قانونية، مما يؤثر سلبًا على مناخ الأعمال ويزيد من التكاليف على التجار والشركات، ويشكل عائقًا كبيرًا للتنمية الاقتصادية.
- آثار التأخير على التجار والمستوردين..
التعطيل الذي تفرضه “إم .س .يا” يجعل التجار والمستوردين يواجهون تكاليف إضافية بسبب اضطرارهم لدفع رسومات مرتفعة للموانئ عن كل يوم انتظار إضافي، مما يُثقل كاهلهم ويقلل من جاذبية ميناء بني أنصار كمركز تجاري. هذه الزيادة في التكاليف تؤدي إلى تقليل حجم حركة البضائع وتحفيز الشركات على نقل عملياتها إلى موانئ أخرى أكثر كفاءة، كميناء طنجة المتوسطي.
- تجاهل حقوق المقاولات الصغيرة والمتوسطة
تعاني الشركات والمقاولات الصغيرة والمتوسطة، التي تعتمد على المركبات النفعية لنقل البضائع غير المرتفقة، من حصار خانق من جميع الجوانب، خاصة من الإدارة العامة للجمارك؟ حيث تعيش هذه الفئة معاناة صامتة تحت وطأة قرارات عشوائية غير منصفة تم اتخاذها، مما تدفع المقاولات نحو الإفلاس بشكل ممنهج؟ وتُحرم من حقها في المنافسة الشريفة وفقاً للدستور المغربي؟ تتمتع شركات النقل الدولي للبضائع الحاصلة على ترخيص القرار بالمسطرة المبسطة بمزايا خاصة تُفصِّل القوانين على مقاس مصالحها.
هل يعقل أن تكون شاحنة من 18 طن تابعة لشركة بالجهة الشرقية مستفيدة من القرار إضافة إلى ثلاث مركبات أخرى من فئة 7 طن، هناك كذلك بعض الشركات تستفيد من مزايا تفضيلية ولا تؤدي المكوس الجمركية تمتلك أكثر من مركبتين بما فيها المرقمة بالخارج والغير الخاضعة لرسوم الجبائية الوطنية وغير مسجلة بحكم أنها مرقمة بالخارج ومستفيدة من القرار المبسط للمسطرة البضائع الغير المرتفقة.. هذا ينطبق كذلك على ميناء طنجة المتوسط، في تجاهل واضح لأبسط حقوق المقاولات الصغيرة والمتوسطة في العمل والاستمرارية؟
وزيرة الاقتصاد والمالية ووزير الصناعة والتجارة والمدير العام للجمارك.. أين هم من هذه الفوضى الخلاقة؟ ألم يحن الوقت لتصحيح الموازين وإقامة عدالة المنافسة الشريفة بين المقاولات الصغرى والمتوسطة والشركات الكبرى ولوبيات النقل الدولي للبضائع؟ يجب تعميم القرار المبسط للمسطرة البضائع الغير المرتفقة لجميع الشركات الحاصلة على القروض البنكية ولاسيما في إطار الدعم “انطلاقة” المبادرة الملكية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله.
فإن عدم منح هذه الشركات والمقاولات الصغرى (La décision) القرار المبسط للمسطرة البضائع الغير المرتفقة من طرف المديرية المركزية المختصة بالإدارة العامة للجمارك يعتبر كحكم بالإفلاس على هذه الشركات والمقاولات الصغرى. وتتوقع الكونفدرالية المقاولات الصغيرة جدًا والصغيرة والمتوسطة في المغرب إفلاس 40 ألف شركة بنهاية 2024، مشيرة إلى تدهور كبير في أوضاعها، حيث تشكل المقاولات الصغيرة جدًا 99% من حالات الإفلاس. وأوضحت الكونفدرالية أن هذا الوضع سيساهم في رفع معدل البطالة إلى أكثر من 13%، وأن مشروع قانون المالية 2025 لا يقدم حلولًا لمواجهة الأزمة.
- الشباك الوحيد “بدر” (BADR) ودوره المُغيَّب
رغم إنشاء الإدارة العامة للجمارك لنظام الشباك الوحيد “بدر” بهدف تسهيل الإجراءات الجمركية وتخفيف العبء الإداري، إلا أن تعقيدات “إم س يا” في الميناء تُفشل تطبيق هذه الأهداف وتُعقد من استخدام الشباك، مما يترك المستثمرين والتجار في دوامة من الروتين والتأخير غير المبرر.
- وجود “الكومي” والمُعشرين المزيفين: فساد يهدد الكفاءة
من المؤسف أن نرى ميناء بحجم وأهمية بني أنصار بالناظور يعاني من وجود أشخاص يدّعون العمل في مجال التعشير دون أدنى كفاءة أو دراية، هؤلاء المتطفلون، الذين لا يمتلكون حتى الحد الأدنى من المؤهلات، يحاولون تمثيل أنفسهم كـ”معشرين” رغم أنهم لا يفقهون أبسط قواعد المهنة، ولا يمتلكون القدرة على كتابة المصطلحات المتعلقة بالتعشير بدقة أو التعامل مع قن الضرائب بشكل صحيح.
الأدهى أن بعضهم يستغل جهل البعض بالقوانين والنظم، فيمارسون النصب والاحتيال، مما يؤدي إلى الإضرار بمصالح أصحاب البضائع وتعطيل أعمالهم، وربما الوقوع في مخالفات جمركية ناهيك عن المساهمة في تهريب السلع والبضائع بطرق غير قانونية. وجود مثل هؤلاء يشوه سمعة المهنة ويعقد الإجراءات، إذ لا يقدمون أي قيمة فعلية، بل يعتمدون على الخداع والتحايل لتحقيق مكاسبهم الشخصية. هذه الفوضى تتطلب رقابة صارمة وفتح تحقيق من الجهات المختصة للتدقيق في اعتماد العاملين، ولضمان أن الميناء يعمل بأيدي ذوي الكفاءة والالتزام. كما قال أحد المديرين إن هؤلاء “الشناقة” ليسوا بمُعشرين.
الأرقام تبين حجم المكاسب غير المشروعة التي يجنيها هؤلاء المتطفلون، حيث تصل أرباحهم من هذا “السماوي” إلى 3000 درهم يومياً، من الاثنين إلى السبت، وقد تتضاعف لتصل إلى 7000 درهم. هذه التصرفات لا تضر فقط بالمستوردين والمصدرين، بل تلقي بظلالها على سمعة الميناء وتُثقل كاهل التجارة بعمولات غير قانونية. مكافحة هذه الظاهرة تتطلب تدخلاً حاسماً من الجهات الرقابية لتطبيق القانون بصرامة وتنقية الميناء من هذه الفئات والطفيليات، التي تشوه صورته وتجعل التعامل فيه صعباً ومرهقاً!!! وهذا ينطبق كذلك على ميناء طنجة المتوسط والميناء التجاري بالدار البيضاء حسب تصريحات المرتفقين، (سنعود للواقعة 26 شتنبر بميناء التجاري بالدار البيضاء في المقالات القادمة والمتعلقة بحاوية قطع الغيار للسيارات).
- خروقات واختلالات في ميناء بني أنصار
يشهد ميناء بني أنصار بالناظور خروقات واضحة واختلالات كبيرة تجعل من الرشوة ظاهرة مستشرية تكاد تكون علنية. هذا الوضع يضرب بقوة مصداقية الميناء ويفسد مسار الإجراءات القانونية والجمركية. عندما تصبح الرشوة وسيلة لتسيير الأمور وتجاوز العقبات، تكون النتائج وخيمة على المستوردين والمصدرين، حيث تتضاعف التكاليف وتتأخر السلع، مما يضعف ثقة المستثمرين ويجعل مناخ الأعمال غير مستقر.
- انعكاس الأداء الجمركي على الإيرادات وتراجع الجباية
التعقيدات الجمركية وزيادة التكاليف أدت إلى تراجع كبير في الإيرادات الجمركية لميناء بني أنصار. ففي وقتٍ كانت فيه عائدات باخرة “سات” وحدها تصل إلى 90 مليون سنتيم أو أكثر كمداخل (العشور)، نجد اليوم انخفاضًا كبيرًا في هذه الأرقام، وهو مؤشر سلبي ينذر بتراجع الثقة في الميناء وأهميته التجارية.
يحتاج ميناء بني أنصار إلى تدخل سريع لتقويم وضع “إم .س. يا” وضمان تفعيل دور الشباك الوحيد بشكل فعّال. كما يجب تنقية محيط الميناء من المتطفلين على مجال التعشير (الكومي الشناقة أو ما يصطلح عليه بالكورتية) لوقف التعطيلات غير المبررة التي تثقل كاهل المستثمرين وترهقهم بتكاليف غير مبررة، لإعادة الثقة بميناء بني أنصار وتعزيز تنافسيته كوجهة استراتيجية على مستوى شمال المغرب، لا سيما وأن ميناء الناظور غرب المتوسط على مشارف البدء العمل به ومن المتوقع انطلاقة شطره الأول خلال الأشهر القليلة المقبلة.