الألباب المغربية/ محمد عبيد
ما حصل يومي 27 و28 شتنبر 2025 بعدد من المدن المغربية لم يكن فقط محصورا على شباب تبنّى لحرف “Z”، شباب رقمي يعيش في عالم متصل، متشبع بثقافة افتراضية كونية، ويتطلع إلى كسر الأنماط القديمة في السياسة والإعلام والاقتصاد… شباب واع مثقف لا يكتفي بالتنديد عبر الشاشات بل نزل إلى الميدان، يفضح، يوثق، ويطالب بالمحاسبة، ولا يطالب بالامتيازات…، سجلت حضور الكل… بل نقلت الاحتجاجات بالصورة والكلمة على أنها لم تكن خاصّة بجيل “Z” فقط.
شارك في هذه الاحتجاجات السلمية من مختلف الأعمار رجالاً ونساء، صغاراً وكباراً، شباباً وشيباً.. وقفات ومسيرات سلمية كما هي، لا يمكن أن يتم ربطها بجيل أو بفصيل. مشاهد عكست الحقيقة المرة لحياة عموم المغاربة، وقفات احتجاجية سلمية ضد المحسوبية، ومطالب واضحة بتفعيل مبدأ “ربط المسؤولية بالمحاسبة”.
شبابا وشيبا استندوا إلى مضامين خطاب جلالة الملك محمد السادس حين طالب بنفسه بضرورة محاربة الفساد واقتلاع جذوره من مؤسسات الدولة، وداعيا إلى ترسيخ ثقافة النزاهة والشفافية..
شباباً وشيباً لا يملكون نفوذا ولا مناصب، مغاربة يعيشون الغبن رأس مالهم الوعي، تجرؤوا على قول الحقيقة، كاشفين على أن “الوطنية ليست في الصمت”، بل في “المواجهة الأخلاقية مع الفساد”..
لكن المفارقة الصادمة أن من يُفترض بهم تنفيذ التوجيهات العليا هم أول من يقاومونها، وبدل أن تعمل الحكومة على حماية المواطن وتسمع لمطالبه الأساسية في الصحة وفي التعليم والكرامة، لم تجد من رد عدا استعمال القوة لحماية الفاسدين من نخبها..
المحتجون ليسوا بمجرمين ولا مخربين، بل هم فئة من الشعب خرجوا للشارع بنظام وانتظام وبسلوك جد حضاري وبدون عنف وبلا خشونة مطالبين بالحق في العيش الكريم… رافعين شعارات وأصواتا المطالبة بتصحيح الأوضاع، ولكن تدخلات القوات العمومية كان لها رأي آخر:”إسكات المحتجين والشعب المغبون بصفة عامة”، وذلك من خلال ممارسة القمع والاعتقالات والسيطرة على كل صوت حر…
وليتضح زيف السلطة التي لم تكن لترغب في سماع هذه النداءات التي لا تعدو إلا إنسانية وتصب في المطالبة بالعيش الكريم..
أصوات تطالب بالحقوق وبالإصلاحات وهي أصلا حقوق مشروعة.. قضايا تستلزم من الدولة بمختلف أجهزتها التعامل معها بعقلانية واتخاذ المواقف الرصينة.
وفي خضم هذه الأحداث وإدراكا للاستيقاظ لدى من يهمهم أمر البلاد والعباد، وذلك من خلال استحضار يقظة الضمير العام، كون اليقظة علامة صحة في جسد المجتمع، فإن القضايا المطروحة تتطلب الإسراع في محاربة الفساد والمفسدين بكل جدية ومسؤولية وإجراءات المحاسبة الفاعلة الملموسة دون غوغائيية…
كما أنه على الجميع محتجين ومناهضين للاحتجاجات ألا يقعوا معا في انجرار وراء ممارسات قد تخرج عن سياقها الطبيعي، فتفتح الباب أمام منزلقات قد لا تُحمد عقباها!
إن الاحتجاجات التي يمارسها شباب وشياب ومواطنون من مختلف المشارب على بعض المواقف والإجراءات الرسمية أو الحكومية، لا ينبغي أن يُنظر إلى المشاركين فيها على أنهم ضد الوطن، كما قد يتأوّل بعضُ البعض، بل تنبثق تلك الاحتجاحات من ولاء حقيقي للوطن، ليس بالانفعال والطيش، وإنما بالتعقل والنظر الرزين..
فالوطن وطننا والمغرب مغربنا.. عشق لا يندمل.. فالوطن فوق الجميع والمغرب في القلب.