الألباب المغربية/ بدر شاشا
نطالب بتدخل ملكي لرد الاعتبار لشباب المجازين الذين أُقصوا من التعليم بحجة السن وإصلاح التعليم.
نتساءل دائمًا عن دور الوزير في تحسين جودة التعليم، وعن غياب المساءلة عندما تتراجع النتائج. التعليم في المغرب، خاصة التعليم العمومي، يعيش أزمة حقيقية، وهذه الأزمة ليست وليدة اللحظة، بل هي نتيجة تراكمات متتابعة لم تُعطِ نتائج ملموسة على أرض الواقع. رغم كل المحاولات والميزانيات الضخمة التي تُخصص لهذا القطاع، إلا أن التلاميذ، سواء في القرى أو المدن، يظهرون بمستويات ضعيفة في التحصيل الدراسي، وهو ما يؤثر على تصنيف المغرب عالميًا في مجال التعليم.
عندما ننظر إلى الواقع نجد أن هناك فجوة كبيرة بين ما يُنفق على التعليم وما يُحقق على أرض الواقع. السؤال هنا، لماذا لا يُحاسب الوزير المسؤول عن التعليم على هذه النتائج؟ الوزير يتحمل جزءًا كبيرًا من المسؤولية، ليس فقط لأنه يقود قطاعًا حيويًا، بل لأنه صاحب القرار في وضع السياسات وتوجيه الموارد. ومع ذلك، لا نرى أي تحرك نحو محاسبته أو على الأقل تسليط الضوء على الأداء السلبي لهذا القطاع.
الأمر الأكثر إثارة للجدل هو أن التعليم، رغم كل ما يتم الحديث عنه من إصلاحات، لم يشهد تغيرًا يُذكر. التلاميذ في القرى يعانون من نقص حاد في البنية التحتية المدرسية، وافتقارهم إلى الوسائل التعليمية الأساسية. أما في المدن، فإن التلاميذ غالبًا ما يجدون أنفسهم أمام مناهج قديمة وأساليب تعليمية تقليدية لا تتناسب مع العصر الرقمي الذي نعيشه اليوم.
أمام هذا الوضع المتدهور، يبرز السؤال: أين هي الميزانيات الضخمة التي تُخصص لهذا القطاع؟ ولماذا لم تحقق نتائجها المرجوة؟ الأموال تُنفق على الورق، ولكن الأثر على الأرض يكاد يكون منعدمًا. المدارس ما زالت تعاني من نقص في التجهيزات، والمعلمين يشتكون من ضعف التكوين والتأطير، فيما يظل التلاميذ ضحايا لهذه الفوضى ومفارقة بين المدن والقرى.
الأزمة لا تتوقف هنا، بل تتعدى ذلك إلى إقصاء الشباب المجازين من ولوج مهنة التعليم. كيف يمكن لدولة تدعي السعي نحو تحسين التعليم أن تضع شروطًا قاسية تمنع الشباب الحاصلين على الشهادات من المشاركة في بناء المستقبل التعليمي للبلاد؟ حجة السن والنقاط أصبحت وسيلة لإقصاء الكثير من الشباب الذين يمتلكون القدرة والطموح للتدريس. هؤلاء الشباب قضوا سنوات في الدراسة والتحصيل العلمي، وأثبتوا كفاءتهم، ومع ذلك يُمنعون من ممارسة التعليم بحجة أنهم تجاوزوا سنًا معينًا أو لم يحصلوا على نقاط عالية في مباريات التعليم. هل هذا هو العدل؟ هل هذه هي السياسة التي سنبني بها تعليمًا قويًا؟
الشباب المجازون هم عماد المستقبل، وهم الأمل في تحسين جودة التعليم، ولكن يتم إقصاؤهم بشكل غير مفهوم. هؤلاء الشباب لا يبحثون عن امتيازات خاصة، بل يريدون فقط فرصة ليكونوا جزءًا من عملية الإصلاح التعليمي. ولكن بدلًا من منحهم هذه الفرصة، يتم تجاهلهم واستبعادهم بشكل يُثير الاستغراب.
وعند النظر إلى هذا الإقصاء المتعمد، يحق لنا أن نتساءل عن دور وزارة التشغيل. لماذا لا تتدخل لحماية حقوق هؤلاء الشباب في الشغل؟ أليس من واجبها الدفاع عن حقهم في العمل والوظيفة؟ هؤلاء الشباب يستحقون أن يكون لهم دور في المنظومة التعليمية، لا أن يتم إقصاؤهم على أسس واهية.
في ظل هذا الوضع، نتساءل عن حقوقنا التي يكفلها الدستور المغربي. حق الشغل، حق السكن، وحق الصحة هي حقوق أساسية نص عليها الدستور. ومع ذلك، نجد أن الواقع لا يعكس هذه الحقوق. الوزير يفعل ما يحلو له دون أي محاسبة، ودون أي اعتبار لحق الشعب في الحصول على تعليم جيد أو في التمتع بحقه في العمل. فمن يُعوض الشباب عن سنوات الدراسة؟ من يُعوضهم عن الجهد والمصاريف التي بُذلت في سبيل الحصول على الشهادات؟
العديد من الشباب يجدون أنفسهم ضائعين بين الحلم الذي سعوا لتحقيقه والواقع الذي يفرض عليهم شروطًا قاسية. هؤلاء الشباب هم أمل الأمة في النهوض بالقطاع التعليمي، ولكن السياسات الحالية تعمل على إقصائهم، وتتركهم في مواجهة البطالة واليأس.
إن الإصلاح الحقيقي يبدأ بمساءلة المسؤولين، ومحاسبتهم على نتائج لا يمكن أن نتوقع تحسنًا في التعليم طالما أن الوزير لا يخضع لأي نوع من المساءلة. التعليم هو حق للجميع، وهو أولوية وطنية، ولكن هذا لن يتحقق ما لم تكن هناك شفافية ومحاسبة في كل ما يتعلق بإدارة هذا القطاع الحيوي.
لا يمكن أن نتحدث عن إصلاح التعليم دون أن نضع الإنسان في قلب هذا الإصلاح. الإنسان، سواء كان تلميذًا أو مدرسًا أو شابًا مجازًا يبحث عن فرصة، هو المحور الأساسي لأي عملية تطوير. ولكن ما نراه اليوم هو إقصاء لهذا الإنسان، وتهميش لدوره في بناء مستقبل تعليمي أفضل. لذا، يجب أن نرفع الصوت عاليًا ونطالب بمحاسبة المسؤولين عن هذا الوضع، وأن نعمل جميعًا من أجل بناء منظومة تعليمية تكون في مستوى تطلعات الشعب المغربي.