الألباب المغربية/محمد عبيد
ﻳﺒﺪﻭ من ﺍﻟﻌﻨﻮﺍﻥ أن ﻓﻴﻪ ﺷﻲﺀ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺠﺮﻳﺢ والافتراء والقدح، ﻟﻜﻨﻪ ﻳﺼﻮﺭ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻣﺎ تعيشه الصحافة الإلكترونية من بهتان خاصة مع تهافت العدد من حاملي “البونجات” على أية مناسبة دون احترام لكرامتهم وللمهمة الإعلامية باقتحام المجالس “بلا عراضة” !
وقد يتبادر إلى البعض أن الوصف فيه شيء من الخجل، لكن ما وجدت الكلمات في القاموس إلا لتُستخدم في مواقعها.
ﻭﻗﺒﻞ أن ندخل في صلب الموضوع لا بأس أن نتوقف قليلا عند نعت “ﺍﻟﻌُﻬﺮ” الذي وُصِفتْ به الصحافة في العنوان، والتي تدل على البغاء والفسق والفجور، أي أن “ﺍﻟﻌﺎﻫﺮﺓ” ﻫﻲ ﻣﻦ ﺗُبيح ﺟﺴﺪﻫﺎ بمقابل مادي، ﻭ”ﺍﻟﻌﺎﻫﺮ” ﻫﻮ ﻣﻦ ﻳﺄﺗﻲ ﻓﻌﻼ فحشا ﻣﻤﺎﺛﻼ… والعُهر هو ممارسة الفُجر قصد بلوغ غاية معينة قد تكون إما مالا أو شُهرة.
فكما للعاهرة قنوات خاصة تعلن من خلالها رغبتها في تعاطي الفجور لكسب المال، كذلك الشأن بالنسبة لبعض المواقع الإلكترونية التي تبُث محتواها النثن والعفن باستغلال مآسي الناس لتحقيق أرباح كبيرة من خلال رفع نسبة المشاهدات وعدد “الليكات”.
فمنذ عقود وصحافتنا معقودٌ في ناصيتها الخير، تقدم ما تستطيع طرحه للمتتبع رغم قلّة الإمكانات المادية وشح الأطر البشرية التي كان يحذوها على الدوام شغف المهنة وحبها وقدسيتها قبل أي مقابل، كيفما كان.
كانت الصحافة قبل انتشار “السوشيال ميديا” شرف، ونبل ونضال من أجل الكرامة، ومهنة نبيلة وراقية، بل إنسانية لأنها كانت صوت من لا صوت له، وعبرها كان ويزال يسلط الضوء على قضايا الناس، وهمومهم التي يحترقون بها، ومآسيهم، ومعاناتهم وأشكال التهميش الذي يطالهم.
كانت أيضا جبهة مفتوحة للدفاع عن حرية الرأي والتعبير، وصوتا مدويا لتحقيق الديمقراطية والتقدم والعدالة ضدا عن الاستبداد والشمولية والقمع.
اليوم بدأت تأخذ استراحات متقطعة بعد أن فقدت الرعيل الأول من رجالاتها الذين تخطفهم الموت وغيبتهم الدنيا عنا، رحلوا وتركوا وراءهم سوقا مفتوحة للإعلام يدخلها أي عابر سبيل تقطعت به السبل، أو أضاع فرصة ولوج مهنة أخرى، فاختار الصحافة لأنها كانت الاختيار الأخير أو لأنه لم يحقق حظه في مهنة أخرى، فمنح لنفسه فرصة التجريب لتأسيس مواقع إلكترونية تباع وتشترى فيها سمعة الصحافة وشرفها، بينما تقف المؤسسات الوصية في ظل هذا التردي الإعلامي المفضوح موقف المتفرج تارة، والشاجب تارة أخرى، من خلال بيانات محتشمة لا تسمن ولا تغني من جوع تدعو إلى احترام ميثاق أخلاقيات المهنة…
لم أشـعر بالحـرية لحظةً ما إلا حـين أمسكت أول مرة بالقلم وكتبت من نتـاج فكري الخالص… إذ تستحضرني وأنا أؤم بتدوين بعض ما استخلصته من تجربتي المتواضعة جدا في المجال الصحفي كل الكتابات السابقة التي شكلت رحلة ومعاناة وهموما وما رافقها من الضغوط المادية والإكراهات في العمل والنفسية التي تعرضت لها في هذا المجال…
مرحلة كانت تركز وتهتم بمشاكل وبقضايا البلاد والعباد معا التي تتراكم وتتفاقم يوما بعد يوم إلا أنها مرحلة لم تخل من محاولات تعويق مسيرتي الإعلامي، وإن عرفت مع تواليها ومع ما عرفه المغرب من انفتاح في المجال الإعلامي من حيث توسيع هامش الحرية، وأصبحنا نناقش كل المواضيع في حدود ما تسمح به المصلحة الوطنية العامة، وفيما لا يتعارض مع ثوابت هذا الوطن…
يعتقد البعض أن سقف الحريات، “قد يكون أعلى بكثير مما يضعه الصحفي لنفسه”، ويدعو هؤلاء إلى استغلال هذا السقف والسعي إلى رفعه خاصة في ظل المتغيرات الكبرى التي يشهدها العالم ككل، بحيث أصبح الإعلام السلطة الأولى وليست السلطة الرابعة…
آخرون يرون أن أمام الصحفيين طريقا مليئة بالعثرات حتى الوصول إلى وضع يمكنهم فيه طرق القضايا الساخنة في تغطيانهم الصحفية…
أيا كان الموقف الأكثر ملامسة للواقع فإن الإبقاء على التغطية السطحية للأحداث من شأنه أن يطيح بالسلطة الرابعة بشخوصها ووسائلها أمام الإعلام الجديد الذي يمتطيه أناس عاديون لكنهم أصبحوا يمارسون التغطية لما يجري حولهم وتجاوزوا ذلك في التأثير والقيادة أيضا، علما أن الإعلام اليوم يكاد يكون هو العلامة المميزة لهذا العصر ويجب أن يكون إعلامنا قادرا على المنافسة وعلى طرق أبواب الآخرين.
إن جمهور وسائل الإعلام المحلية يعيش بشكل يومي أوضاع المستشفيات الحكومية، ويعرف كيف تراجع التعليم، وهو الذي يكتوي بنار ارتفاع الأسعار، وبالتالي لا يحتاج إلى من يخبره بذلك بقدر حاجته إلى إعلام قادر على خلق وقيادة رأي عام يُفضي إلى تغيير حقيقي للأفضل.
لدى سؤال البعض عن أية قضية تنغص حياة المواطنين، يقولون:”الناس كتبغي التهويل…”.
لماذا وصلنا لهذا الحد من انعدام الضمير والمجاملة بدون روح بدون عدل بدون تفكير؟… في مجتمع مليء بالقيود!
المواطن الحقيقي يجب أن يمارس المواطنة بمفهومها الشمولي بما يتعلق بالواجبات والحقوق…
فالصحفي هو ذاك الذي يكون في خدمة مصالح البلاد والعباد في كل القضايا الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية…
ومعلوم، أن التنوير لعب، ويلعب دورا كبيرا، وأساسيا، في جعل الأفراد، والجماعات، يحولون المجتمع من مجتمع متخلف إلى مجتمع متقدم، عن طريق تمكين أفراده من الوعي بالواقع، بمتطلباته الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، والمعرفية، والعلمية، وبالوعي بضرورة تغييره إلى الأحسن، من أجل إيجاد مجتمع حقوقي متطور، تتوفر له إمكانية التقدم، والتطور المستمرين، على جميع المستويات، بما فيها مستوى حقوق الإنسان، كما هي في الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان.
في قراءة لواقع الإعلامي المغربي عموما وبالأطلس المتوسط على وجه الخصوص یجد الإعلامي نفسه أمام معادلة صعبة وغریبة، ففي الوقت الذي یجد نفسه یجاھد لأجل عدم التعدي على حقوقه يصطدم بحرب ما كانت تستهدف عرقلة مساره مما يفرز أنها ملولبة في قالب حرب إصلاح البیئة الإعلامیة والنھوض بھا مقابل من یقوم بحشوھا بدخلاء جیشوا من باب التحزبات والواسطة وأحيانا “السنطيحة” لنشر فيديوهات دون قراءة موضوعية لأحداثها، وكأنه جاء من كوكب آخر أو من القرون الوسطى ویتخلف عنھم بسنوات ضوئیة، وقد يستشعر نفسه أنه محروم حتى من التنفس في ھذا الجو الإعلامي المتطور…
إعلامنا المغربي مليء بأعجوبة ومتناقضات صارخة كون الذي یحرق نفسه ویبذل كل طاقته لیصل إلى منصب یلیق بخبرته، لا اعتراف له ولا تقدير ليسيطر عليه في النھایة الشعور بالمذلة وھو یرى دخلاء على هذه المهمة لا یعرف من أین جاؤوا ویوضعون علیه، وإقناعه بالموافقة على آلیة سیر العمل، “لو سیاسة المجاملات والمحسوبیة في الإعلام تنتھي ما وجدنا أحدا؟”.
أنا آسف على طابور فساد إعلامنا !.. وآسف أكثر أن أرى أننا صرنا نعيش عصر صحافة العهر!
ملاحظة: وإن كان الموضوع في شكله يتحدث بصفة عامة عن الصحفي فلابد من الإشارة إلى أنه في عمقه يستهدف فئة المراسلين الصحفيين أو المتعاونين وخاصة أولئك الذين حصلوا على بطاقات اعتماد من مواقع وقد اقتحموا المجالس فقط يحملون “بونجات” ويكتفون بتصوير الأحداث والمناسبات دون تنوير المتلقي بتناول موضوع الشريط للتلاعب بعقول الزوار وليس القراء لأن هؤلاء الأخيرين لم يجدوا ما يمكن قراءته؟