الألباب المغربية/ نادية عسوي

في مقهى صغير، جلست هذا الصباح أحتسي قهوتي الصباحية وأراقب الشارع أمامي، حيث يمر بعض المارة بخطوات متثاقلة، كل واحد يمضي نحو عمله مطأطئ الرأس. تساءلت بيني وبين نفسي: ما الذي يثقل خطاهم؟ هل هو ما يجري في العالم من حروب وأزمات، أم هو تعب العمل وضيق ذات اليد، أم ذلك الأفق المسدود الذي يجعل النهار نسخة باهتة من الأمس؟
مددت يدي إلى هاتفي، أحرّك شاشته بملل، علّي أعثر على خبر يُبهج القلب. لكن بدل ذلك ظهرت أمامي أخبار عن تقرير جديد للمركز المغربي للمواطنة، كأنه رسالة قادمة من واقعنا المرهق. وجدت أرقامًا لا تقل قسوة عن وجوه المارة. التقرير يقول إن 94.8 % من المغاربة لا يثقون في الأحزاب السياسية، بينما لا يتجاوز من ما زالوا متمسكين بخيط الأمل سوى 5.2%.
واصلت القراءة، اكتشفت أن 91.2 % من المواطنين غير منخرطين في أي حزب، وأن 76.2 % لا يفكرون حتى في الانضمام مستقبلًا. وكأن الناس أداروا ظهورهم للسياسة، مفضلين الصمت والانسحاب على الكلام والمشاركة. أما من غادروا الأحزاب فقد قال 33 % منهم إنهم فعلوا ذلك بسبب غياب الديمقراطية الداخلية.
الأمر لا يتوقف هنا، 91.5 % من المستجوبين يرون أن المال والولاء هما مفتاح الصعود داخل الأحزاب، بينما لا يرى سوى 31.3 % أن الكفاءة طريق للترقي. حتى التصويت، الذي كنا نظنه فعلًا عقلانيًا قائمًا على البرامج، لم يعد كذلك، إذ لم يتجاوز من يختارون على هذا الأساس 9 % فقط.
رفعت رأسي من شاشة الهاتف، نظرت من جديد إلى المارة. تلك الخطوات الثقيلة التي كنت أراها قبل قليل بدت لي الآن وكأنها انعكاس مباشر لهذه الأرقام. كأن الناس يحملون نتائج التقرير فوق أكتافهم من دون أن يقرأوه.
ارتشفت رشفة من فنجاني، أغمضت عيني قليلًا، وقلت في نفسي: هذه ليست مجرد إحصاءات، إنها حكاية وطن يبحث عن معنى السياسة.
الديمقراطية بلا ثقة تتحول إلى واجهة بلا روح. ومع اقتراب انتخابات 2026، يظل السؤال معلقًا في الهواء مثل طائر تائه: هل تكون محطة لإصلاح الجسر المكسور بين المواطن والسياسة، أم منعطفًا آخر يزيد الشرخ عمقًا؟ ابتسمت بمرارة، وقلت أخيرًا: مرارة القهوة تهون أمام مرارة هذه الأرقام.