الألباب المغربية/ ميمونة الحاج داهي
رأيت المعارضين الإيرانيين وهم يواجهون زمن الحرب كحراس لحدود الوطن. أولئك الذين عارضوا بشراسة، واحتجوا دون خوف، وقفوا عند لحظة الخطر وقفة نادرة، لا يهادنون، ولكن لا يهدمون. تخلوا مؤقتا عن خلافاتهم مع السلطة، لأنهم يدركون أن هناك ما هو أثمن من تصفية الحسابات: الوطن نفسه.
ثم نظرت إلى بعض الأصوات في بلادي ممن يسمون أنفسهم معارضين، ونحن نخوض حرب على سيادة البلاد منذ خمس عقود، فاستوقفني المشهد.
هل صارت المعارضة عندنا مهنة تمارس من الخارج؟
هل أصبحنا نعارض الوطن بدل معارضة النظام؟
متى اختزلت فكرة الإصلاح في خطاب التشفي، ومتى صار الاصطفاف مع خصوم البلاد بطولة تهلل لها بعض المنصات؟
يا سادة ما هكذا تُبنى الأوطان، وما هكذا تُفهم المعارضة.
أنا لا أدافع عن العتمة، ولا أطلب الصمت، ولا أطلب أن نبتلع أخطاء السلطة، كل ما أطلبه فقط أن نفرق بين معارضة تصلح… ومعارضة تقصي، تحرض، وتراهن على السقوط.
لأني ببساطة أؤمن أن الوطن ليس سلطة، ولا حكومة، ولا نظاما، إنه بيت حين تهدمه، لن تجد سقفا آخر تأوي إليه. فالوطن ليس فندقا نغادره حين تسوء الخدمة، ولا عدوا نطارده حين نختلف مع سياساته.
أنا مواطنة مغربية ابنة شهيد من شهداء الوحدة، أحمل في قلبي غضبا مشروعا على التهميش، والفساد، والغبن، لكنني في ذات الوقت أفهم أن الكلمة إذا لم تكن مسؤولة، فإنها قد تتحول إلى معول.
لابد أن تدركوا قبل فوات الأوان أن المعارضة في جوهرها ليست نقيضا للوطن، بل هي دعامته الأخلاقية. و للأسف بعض من يمارسونها اليوم، يتعاملون مع المغرب كما لو أنه خصم يجب أن يسقط، وليس بيتنا وبيتهم الذي يجب أن يرمم.
فلنعارض، نعم. فلننتقد، نعم.
لكن أرجوكم دون أن نخلط بين إسقاط الفساد… وإسقاط البلاد.
دون أن نحول معاركنا مع السلطة إلى رصاص طائش يصيب الوطن في قلبه. الوطن ليس فكرة تجريدية نكتب عنها في البيانات، بل هو ما يتبقى حين تسقط الشعارات. وحين يسقط، لن ينفعنا التاريخ الذي كتبناه في المنفى، ولا المواقف التي صفق لها الأعداء.
لذا من فضلكم لنعارض من الداخل، حتى نصلح البيت الذي نحبه، بدل أن تنتظروا انهياره لتقولوا: ألم نقل لكم؟
فالمعارضة الحقيقية لا تهدم، بل ترفع السقف عاليا… لتسع الجميع.
ولا ننسى ما قاله عبد الرحمن الكواكبي: الاستبداد يفسد العقل والدين والأخلاق، و المعارضة الحاقدة تفسد الوطن.