الألباب المغربية/ شاشا بدر
يعيش المغرب اليوم مرحلة دقيقة من تاريخه الاجتماعي والاقتصادي، حيث تتعالى أصوات جيلٍ جديدٍ وواعٍ يُعبّر عن مطالبه بكل وضوح وصراحة. جيل “Z”، الذي وُلد في زمن الثورة الرقمية والانفتاح على العالم، لا يطلب المستحيل ولا يسعى إلى الامتياز على غيره، بل يطالب بما هو حق مشروع لكل مواطن مغربي: صحة جيدة، تعليم في مستوى دول العالم، وفرص عمل تحفظ الكرامة الإنسانية.
لكن الحقيقة أن هذه المطالب ليست حِكراً على هذا الجيل، بل هي مطالب كل المغاربة، على اختلاف أعمارهم وفئاتهم. فالجميع اليوم يتقاسم ذات الهمّ: كيف يمكن أن نعيش في وطنٍ يُوفّر أبسط شروط العيش الكريم؟
الصحة في المغرب أصبحت اليوم مرآة حقيقية لوضع السياسات العمومية، حيث لا يزال المواطن البسيط يعاني في صمت أمام ضعف الخدمات الطبية، قلة التجهيزات، وبعد المستشفيات في القرى والمناطق الجبلية. المواطن لا يريد معجزة، بل يريد فقط نظاماً صحياً يُعامله بكرامة وإنسانية، ويضمن له التطبيب المجاني في حدود ما تتيحه العدالة الاجتماعية.
أما التعليم، فهو الجرح المفتوح الذي لم يندمل منذ عقود. إصلاحات تتوالى، وتجارب تتكرر، لكن دون أن نلمس تغييراً جوهرياً في الجودة أو المخرجات. جيل Z الذي يعيش اليوم في عالم مترابط، يرى بأمّ عينيه كيف يتعلّم أقرانه في الدول المتقدمة، وكيف تُستثمر العقول هناك لتصبح طاقة وطنية منتجة. لذلك يطالب بتعليم حديث، منفتح، مرتبط بالحياة وسوق الشغل، تعليم يُكوّن المواطن لا ليحفظ، بل ليفكّر ويبدع ويشارك في بناء المستقبل.
أما الشغل، فالمعضلة الكبرى. جيل بأكمله يحمل شهادات عليا ويجد نفسه أمام أبواب موصدة. لا أفق، ولا استقرار مهني، ولا تحفيز للإبداع أو ريادة الأعمال. إن توفير فرص عمل قارة ولائقة ليس مطلب جيل واحد، بل هو صرخة جماعية لكل المغاربة الباحثين عن معنى وجودهم في وطنهم.
إن جيل Z، وهو يعبر عن هذه المطالب، إنما ينطق باسم كل من سبقوه من الأجيال التي عانت من وعود لم تتحقق، ومن إصلاحات لم تكتمل. فهو جيل لا يريد الصدام، بل يريد الإصلاح الحقيقي، الشفاف، الذي يضع مصلحة المواطن فوق كل اعتبار.
إن أبسط الحقوق التي يرفعها شعاراً ليست سوى الأساس لأي مجتمع عادل ومتوازن: الحق في التعليم، في الصحة، في الشغل، وفي الكرامة. هذه ليست شعارات رفاهية، بل ضرورات لبقاء الوطن متماسكاً ومتقدماً.
جيل Z لا يطلب امتيازات، بل يطالب بالعدالة. لا يريد الهجرة، بل يريد أن يعيش في بلده وهو يشعر بالفخر والانتماء. إنه جيل يُدرك أن المستقبل لا يُمنح، بل يُبنى، لكنه في المقابل ينتظر من مؤسسات بلده أن تمدّ له اليد لا أن تضع الحواجز.
إن مطالب جيل Z ليست صرخة في الفراغ، بل دعوة صادقة لبناء مغرب جديد، مغربٍ يحترم أبناءه ويُصغي إليهم، مغربٍ يجعل من المواطن محور التنمية لا مجرد رقم في الإحصاءات.
فهل نملك الشجاعة لنستمع؟ وهل نملك الإرادة لنحوّل هذه المطالب من كلماتٍ إلى واقعٍ معاش؟ الجواب عن ذلك، هو ما سيحدّد شكل مغرب الغد.