استغل عجزة جنرالات الجزائر، بشكل مسترسل ولمدة طويلة، الغاز وريعه، كطرق لتثبيت أسس سلطتهم وتقويتها، وذلك على حساب المواطن الجزائري المغلوب على أمره، ضمانا لإنتهازيتهم وديكتاتوريتهم، كما استعملوا مداخيل البترول، لملء بطونهم بالعملة الصعبة، على جميع صفقات الدولة.
يقينا أنه لم يعد بوسع حكَّامها المسنين، أن يؤمِّنوا خروج الجزائر من أزمتها، والمشاكل الداخلية الذي تسبب فيها، لأن 2019 ستبقى بالفعل، سنة فارقة في تاريخ الشعب الجزائري الشقيق، الذي حطم جدار الخوف، ملايين المواطنين الجزائريين، يخرجون إلى الشارع يوم كل جمعة وأمام العالم، متشبثين في الإصلاح والتغيير الجدري للنظام، بالإضافة إلى خروج أيضا آلف الطلبة كل ثلاثاء، يعبرون عن رفضهم للنظام السائد المستبد، بما في ذلك مؤسسة الجنرالات الرديئة، التي تعاني من وضعية تلاشي واندحار قواها، لأنها ببساطة فقدت صلاحياتها وسلطاتها.
من المؤكد، وما يشاهده العالم بأسره، أن رصيد نظام العسكر الجزائري، يتهاوى تدريجيا، وبشكل يومي، وأن كل تاريخه المشؤوم، يمر علي الجزائريين، كشريط يعرض أفلام المافيا، وبارونات المال الفاسد، كحال عصابات الطغمة العسكرية، في أمريكا الجنوبية، سنوات السبعينات من القرن الأخير، فقوة الحركات الاحتجاجية السلمية للحراك، انتصار كبير للمواطن الجزائري الحر، حيث أجبرت هذا النظام البائس، على أن لحظاته الأخيرة اقتربت من نهايتها، لأن الشعب الجزائري هو صاحب المبادرة الأولى، لإرساء معالم الدولة الجزائرية المدنية الجديدة، لما بعد هذا النظام السلطوي، المسير بطريقة غير مباشرة، من طرف معسكر الجنرالات، الذي حول ثروات البلاد، لخدمة منافعه الخاصة، والذي يحتضر ببطء، وذلك هو مصيره حتما.
المنطق، يقول أن الحراك الجزائري، هو استراتيجية واقعية، يجب أن تعود إليه الأمور، لحل أزمة لم يصنعها، لا من بعيد ولا من قريب، حيث تمكن من تحقيق انتصاره الأول، عندما نجح في التصدي للعهدة الخامسة للرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة، وألغى كل مخلفاتها في الحياة اليومية للجزائريين، ولم يتبقى له سوى الانتصار الثاني والكبير، ألا وهو إزاحة عجزة الجنرالات، من أجل بداية مسار سياسي ديمقراطي جديد، يشرف دولة الجزائر الشقيقة، عوض هذا المعسكر، الذي كان دائما مدمنا ومهووسا، بمسألة واحدة، وهي الانقضاض على السلطة، لمواصلة نهب وسرقة ثروات الشعب الجزائري، لأن هذا المعسكر، لا يهتم بالمشاكل التي تمس في العمق، الأقطاب الأساسية الاجتماعية والاقتصادية، حيث تتهاوى وتتراكم على الجزائر، لأنه بصريح العبارة معسكر الجنرالات، ينهج سياسة اللامبالاة، والأذن الصماء، اتجاه تدهور واندحار الوضعية العامة للبلاد، بما ذلك حالة قطاع المحروقات، على الرغم من أنه يوفر تقريبا، كل مداخيل البلاد من العملات الصعبة الضرورية، لتغطية الواردات الضخمة للجزائر، الأمر الذي كان يمكنه من إيهام الشعب، بأنه يعيش في رفاهية.
أما بالنسبة للرئيس المعين تبون، وبعد فضيحة عدم استقباله من طرف رئيس البلاد أو أي مسؤول بارز، تعرض الرئيس المشار إليه، لمواقف محرجة جديدة خلال زيارته لدولة البرتغال، فقد قام بعض أفراد الجالية الجزائرية بالبرتغال، برشق سيارة تبون، بالبيض في طرقات لشبونة، مطلقين عبارات احتجاج تطالب بالإفراج عن سجناء الرأي المعتقلين من طرف نظام الكابرانات.
كما قام معارضون جزائريون بالاحتجاج بقوة أمام مقر بلدية لشبونة، لحظة خروج تبون على متن السيارة الرسمية، بحيث رفع المحتجون شعارات تطالب بإقامة دولة مدنية وليس عسكرية.
وفي ختام هاته المقالة، ثمة اتفاق بين العديد من التحليلات، على أن النظام الجزائري الحالي المفلس، ومعه معسكر الجنرالات المسن، يواجه قنبلة موقوتة، نتيجة تردي الحالة الاقتصادية والاجتماعية، وأنها مجرد مسألة وقت فقط، قبل أن تنفجر، لكي تكسر حاجز الخوف بين صفوف الجزائريين، وعموما ما يزال الحراك في الجزائر يشرع أذرعه، على الكثير من الاحتمالات، حول مستقبل الرئيس تبون الغير الشرعي، والمعسكر المعني بالأمر، لا سيما وأن الرجل تواجهه، معارضة على نطاق واسع، مدفوعة بشكاوي من الانهيار الاقتصادي، وتدهور القدرة الشرائية للمواطن الجزائري، ومعاناته من ظاهرة الطوابير، واتهامات بالفساد على جميع الأصعدة، وهذا مؤكد وموثق، لابد أن يدفع بربط المسؤولية بالمحاسبة والعقاب، وإعادة تغيير وإصلاح المنظومة بأكملها، طبقا لنظام آخر، ينفتح بشكل ديمقراطي، على دولة الجزائر المدنية لا عسكرية.