المتتبع للشأن المحلي البيضاوي لن يتفاجأ بأخبار سقوط بعض الدور المنتشرة في عمالات مقاطعات أنفا ومرس السلطان الفداء والحي المحمدي، لكن يده على قلبه مخافة أن تزهق هذه الدور وهي تتهاوى أرواح المواطنين، كما حصل مؤخرا بحي السمارة بتراب عمالة مقاطعات الفداء مرس السلطان، إثر انهيار جزئي للواجهة الجانبية لمنزل مدرج ضمن الدور الآيلة للسقوط حيث حصد هذا الانهيار ثلاثة أرواح وعدد من الجرحى..
هذا الحادث المؤسف يجعل ملف الدور الآيلة للسقوط يطفو من جديد على السطح، مستفزا المسؤولين لاتخاذ إجراءات جديدة لمحاربة خطورة هذه الدور على المواطن، خاصة في مثل هذه الأيام المطرة حيث ترتفع نسبة الانهيارات، ومادام الحادث وقع في تراب عمالة مرس السلطان، ارتأينا في هذه الورقة أن نرسم خريطة انتشار هذه الدور هناك وما هي التدابير التي اتخذت بشأنها منذ 2012 وأين وصلت وهل نجحت الخطط التي رسمت لوقاية الناس منها أم لا..؟
بمنطقة مرس السلطان تنتشر الدور الآيلة للسقوط بدروب عديدة، منها درب البلدية ودرب بوشنتوف وحي بوجدور وحي الداخلة ودرب الميتر ودرب الكبير وحي العيون ودرب مكوار وحي السمارة، فهذه الأحياء تحتوي على أزيد من 1269 منزلا متداعيا للسقوط، وحين نقول متداعيا للسقوط فنحن نعني أن منها ما هو قابل للإصلاح والتدعيم ومنها ما وجب هدمه بدون أدنى نقاش، في هذا الصدد كان مجلس مدينة الدارالبيضاء خلال الولاية التي كان يسيرها محمد ساجد قد تعاقد مع إحدى الشركات لتقوم بمعاينة كل الدور الآيلة للسقوط، انطلاقا من المحج الملكي وصولا إلى تراب عمالة الفداء مرس السلطان، في أفق هدم ما يستلزم الهدم من المنازل، وترميم وإصلاح الأخرى القابلة للترميم، إلا أن العقدة التي ربطت مجلس المدينة بهذه الشركة استوفت أجلها وظل الآجور المتآكل يهدد حياة الناس، دون أن يتم تجديد العقدة، أو اختيار شركة أخرى للقيام بهذه المهمة.
جل هذه الدور تتوزع على أحياء، تضم قيساريات تجارية ومئات الباعة الجائلين، مما يزيد من احتمال وقوع إصابات في الأرواح، في حالة الانهيار المحتمل في أي لحظة، وتزداد أعداد البنايات المتداعية للسقوط، أمام غياب حلول مستعجلة.
وإذا كان القانون قد حدد مسؤولية صيانة المباني الآيلة للسقوط، كما حدد التدابير والإجراءات في ما يخص معالجة المباني الآيلة للسقوط من قبل رئيس الجماعة، في الحالات العادية والحالات الاستعجالية، محددا في نفس الوقت إلزامية وضع تصميم التجديد الحضري وإحداث اللجنة الإقليمية المكلفة بتحديد المناطق المعنية بالمباني الآيلة للسقوط، كما نص على إحداث الوكالة الوطنية للتجديد الحضري وتأهيل المباني الآيلة للسقوط، وحدد المهام المنوطة بها، مع فرض المراقبة والمتابعة، إلا أن عدم إحداث هذه الوكالة وعدم صدور النص التنظيمي المحدد لطرق وكيفية عمل المراقبين، جعل الجماعة، ومعها المقاطعات، ترجع إلى القانون الصادر في سنة 1980، وهو القانون المتعلق بتحديد الشروط التي تنفذ بها تلقائيا التدابير الرامية إلى استتباب الأمن وضمان سلامة المرور والصحة والمحافظة على الصحة العمومية، خاصة في الشق المتعلق بمعاينة هاته المباني، حيث يتم استدعاء ما يعرف بلجنة الدور المتداعية للسقوط، للقيام بالمعاينة وتحرير محضر لكل بناية حسب الحالات، مع اتخاذ مجموعة من التوصيات. وفي هذا الإطار، وبحسب الإحصائيات، فقد قامت اللجنة بمعية المختبر العمومي للأبحاث والدراسات، بمعاينة ما يناهز 1269 منزلا بتراب منطقة مرس السلطان في الفترة الممتدة ما بين 2012 و2019، لتصل إلى خلاصات نهائية تستلزم ضرورة هدم 442 منزلا والهدم الجزئي لـ 191 منزلا، والقيام بتدعيم 150 منزلا، وإصلاح 153 وإنجاز خبرة بخصوص 333 منزلا.
وإذا كانت سلطات الدار البيضاء قد اتخذت بعض الإجراءات، منها تنقيل الأسر المهددة داخل هذه المنازل إلى شقق، والعمل على توفير احتياطي منها لتنقيل الجميع، إلا أن العملية باءت بالفشل، بعد إخلاء 70 منزلا، واستفادة 400 أسرة من الشقق، وذلك راجع لنفاد احتياطي الشقق من لدن شركة إدماج سكن التي تكلفت بهذه المهمة، مما أدى إلى توقف أشغال اللجنة، بعد عملية إخلاء مجمل المنازل المهددة بالسقوط، كما أن عملية الهدم واجهت عدة إشكالات منها أساسا، عملية تدعيم المنازل الملتصقة والقريبة من المنازل المتداعية للسقوط، خوفا من أي خطر محتمل قد يصلها، الأمر الذي يتطلب إخلاء المنازل المعنية بعملية التدعيم، وهو ما يعرض ساكنيها للتشرد في غياب سكن مؤقت.
العمدة الجديدة نبيلة ارميلي وفي انتظار هيكلة الوكالات الجهوية المكلفة بالدور الآيلة للسقوط، منحت رؤساء المقاطعات التفويض لمراقبة هذه الدور ومباشرة الإجراءات الإدارية بشأنها، وغذا كانت المقاطعات تقوم بمراسلات المستغلين لهذه الدور، فإنها مازالت مقصرة في اتخاذ خطوات أكبر، منها تسييج تلك الدور وتعليق إعلانات بشأنها تفيد أنها آيلة للسقوط، حتى لا يتشجع أحد لكرائها أو شرائها أو استغلالها وحتى الاقتراب منها، أيضا مجلس المدينة تأخر كثيرا في معاودة اتفاقية جديدة مع شركة مختصة في الهدم لتباشر هذه المهمة فور تبليغ من يستغل هذه الدور.