الألباب المغربية/ نادية عسوي
سؤال يطرحه كل مغربي حين يمرض أو يرافق مريضًا: لماذا تبدو المصحات الخاصة أكثر جاذبية من المستشفيات العمومية؟
الجواب بسيط:
- العامل البشري
في القطاع الخاص، لا شيء يُترك للصدفة، العامل البسيط قبل الطبيب يخضع للمراقبة اليومية.
المنظف يؤدي عمله بجد لأن هناك من يراقبه، وحارس الأمن لا يصرخ في وجه المريض لأنه يعرف أن الكاميرات تتابع سلوكه، والممرضة تبتسم لأنها تدرك أن حسن التعامل جزء من مهنتها، والإداري لا يؤجل الملف لأن النظام لا يسمح بالتراخي… الكل يعمل لأن هناك إرادة وإدارة تتابع وتُحاسب.
أما في القطاع العام، فالمشكل ليس في غياب الكفاءات، بل في غياب المراقبة الميدانية والانضباط اليومي.
نحتاج إلى تفتيشية دائمة داخل المستشفى، لا في المكاتب ولا في التقارير، بل بين الممرات وغرف المرضى وأبواب الاستقبال.
من يراقب السلوك، النظافة واحترام المواعيد، ويحاسب من يسيء للمهنة أو للناس.
سؤال جوهري: هل القطاع العام يتوفر أصلًا على ما يكفي من الممرضين والأطباء والتجهيزات؟
قبل أن نطالب بالابتسامة، علينا أن نسأل: كم عدد الممرضين في المصلحة؟
كم طبيبًا يغطي نوبات الليل؟ كم سريرًا شاغرًا أمام تدفق المرضى؟ كم جهاز سكانير يعمل فعلاً دون عطل؟
إن الإصلاح يبدأ من الحقيقة، والحقيقة تقول: هناك خصاص كبير في الموارد البشرية والتجهيزات.
ممرض واحد يعتني بعشرات المرضى، وطبيب يشتغل تحت ضغط يومي في غياب الوسائل الضرورية.
كيف نطلب الجودة دون أن نوفر أدواتها ؟
لا يمكن أن نُصلح منظومة قائمة على الإجهاد، ونلوم العاملين بدل أن نُعينهم.
ولهذا، يجب الاستعانة بالممرضين المكونين في القطاع الخاص، الذين أنهوا تكوينهم وهم جاهزون مهنياً، من خلال فتح باب الاندماج أمامهم لسدّ الخصاص،
مع فترة تدريب قصيرة داخل المؤسسات العمومية، ثم إدماجهم في السلم التاسع بصفة تقني متخصص في التمريض.
اليوم ليس وقت إثارة النعرات أو المفاضلة بين نوعَي التكوين، ولا وقت التبخيس أو التشكيك في كفاءات خريجي القطاع الخاص، فهم نفس الممرضين الذين يشتغلون في المصحات الخاصة، ويساهمون فعلاً في جعلها أكثر جاذبية، الكفاءة لا تُقاس بمصدر التكوين، بل بالضمير والإتقان والإنسانية.
من أين يبدأ الإصلاح ؟
مطالب المواطنين ليست مستحيلة، بل بسيطة وسهلة التحقيق متى توفرت الإرادة الحقيقية. فالإصلاح لا يحتاج إلى معجزات، بل إلى نظام ونظافة وإنسانية.
- الاستقبال…. يبدأ الإصلاح من الباب.
نظام معلوماتي ينظم الطوابير، أرقام إلكترونية واضحة، قاعة انتظار نظيفة، كراسٍ كافية، وموظفات استقبال يبتسمن في وجه المرضى ويلبسن زياً نظيفاً ويتعاملن بتفهم واحترام. الابتسامة لا تكلّف شيئاً، لكنها تفتح أبواب الثقة.
- النظافة… النظافة عنوان الكرامة
شركات النظافة يجب أن توظف عمالاً أكفاء، بعيداً عن المحاباة، معدات حديثة، مواد تنظيف كافية، مراقبة دائمة، ووجوه تعمل بإخلاص لا بالمجاملة.
حين يكون المكان نظيفاً، يحترمه المواطن ويحافظ عليه.
- الأمن… رجل الأمن واجهة المستشفى
ينظم الدخول، يوجه الناس بلطف، يرتب الأولويات دون قسوة أو إهانة، كما في البنوك والمطارات. النظام لا يعني القهر، بل احترام الوقت والناس.
- السرير والممرضة
سرير نظيف، غطاء معقم، وممرضة حنونة تداوي بالكلمة قبل الدواء. تسأل بلطف، وتفهم الخوف في عيون المريض. إنها الممرضة التي نريدها: خفيفة، لطيفة، نظيفة.
- الطبيب
الطبيب الذي يحترم المريض، يحترم مهنته أولاً. يتواجد في الوقت المحدد، يصغي، يشرح، ولا يعامل المريض كرقم في سجل أو ملف إداري.
- الأدوية والتجهيزات
الأدوية يجب أن تكون متوفرة داخل المستشفى، لا أن يُرسل المريض لشرائها من الخارج، وكذلك التحاليل والأشعة والسكانير والراديو، يجب أن تُنجز داخل المستشفى نفسه، لا أن يُنقل المريض على نقالة من مؤسسة لأخرى فقط من أجل تحليل أو صورة. هذا ليس علاجًا، بل إهانة لكرامة الإنسان.
التجهيزات تُراقَب وتُعقَّم يوميًا، والأكل يُقدَّم بكرامة من شركات تشتغل بضمير حي، لأن المريض لا يحتاج فقط إلى دواء، بل إلى معاملة تحفظ إنسانيته.
الإصلاح ليس حلمًا بعيدًا، بل قرار بسيط يبدأ من الإرادة، ومن الإنسان. حين تكون المراقبة حاضرة، والضمائر يقظة، وحين نوفر عددًا كافيًا من الأطر والتجهيزات، وحين نُدمج كل الكفاءات الوطنية بلا تمييز، سيصبح القطاع العام أكثر جاذبية من أي مصحة خاصة، وسينال المواطن المغربي العلاج الذي يستحقه بكرامة واحترام.