الألباب المغربية/ ميمونة الحاج داهي
في دولةٍ وُعدت بأنها اجتماعية، ينام منكوب في خيمةٍ مهترئة خُطّت عليها شعارات الوطن الكبير، ويستيقظ كل يوم على شتائم الرياح ومراوغة الطين والقيظ والهجير… مواطن آخر تهدّم بيته على رأسه لأنه “عشوائي”، رغم أنه بناه بقرض وجدران من التعب والانتظار، أما أخوه في المصير فاستفاق ذات فجرٍ على سقوط جدار منزله المتآكل، لا بفعل الزلزال، بل بإرادة الزمن وموت المسؤولية في الإدارات.
وعلى الضفة الأخرى من الوطن، وهب وزير زوجته فيلا. ليس تشبيهاً ولا مزحة. الواهب الموهوب الذي وُهب كل شيء: اللسان والمكان والضمان والسلطان، فكان واهباً موهوباً، وهِبَتُه الوحيدة أن يجعل الوطن يبدو نكتة باهتة لا يضحك منها أحد.
وفي الزاوية الأخرى من هذه “الدولة الرحيمة”، عجوز تحدّق كل يوم في شاشة هاتفها الهشّ تنتظر خبراً عن ابنها الذي ركب البحر في قارب أملٍ مثقوب، فتأتيها الجمعيات لتقول: سندعمك، فقط رقمِ هاتفك! لأن سياسة الدعم تقتضي أن ينزل مؤشرك ولن يتم ذلك إلا بأن تقاطعي الأمل، أمل رنة هاتف تقول: حي أو ميت؟
وعلى باب إدارة شاحبة، يقف محارب قديم قاتل دفاعاً عن الوطن، يطلب سكنًا يليق بمقام الشهداء، فيُقابل بنظرات موظف صغير حفظ جملة واحدة: “سير حتى نعيط ليك”. يعود أدراجه شاردا متحسرا على زهرة شبابه التي ابتلعتها الرمال.
أما الطالبة المتفوقة، الأولى على دفعتها، فبكت أمام الجامعة لأنها حلمت بإتمام الدراسة في الخارج، لكن والدها “ما عندوش لفلوس باش يقريها برى”.
بينما الدولة ذاتها تمنح “قروضاً ميسّرة” لذوي الكراسي الدوّارة، كي يشتروا الفيلات باسم “الاستحقاق”. وفي ركن آخر، مريض يئن ألماً لا يحتمله، قيل له إن القرض على الدواء كبير، وأنت مجرد أجير، القروض يا سيدي يلزمها مقاس وزير، البلد لا يتحمل وجع الوزير .
وعلى حافة طريق موحل، طفل صغير يبكي منتظراً من يحمله إلى مدرسته البعيدة وراء الوادي، يصرّ على الحلم، يرفض العودة إلى رعي الغنم، لكن النهر جارف والطريق موحلة ولا أحد يمر، فالوطن سريع المرور عن الفقراء، بطيء أمام الأغنياء.
هكذا تتجلّى الدولة الاجتماعية: مواطنون بلا سقف، مرضى بلا دواء، أطفال بلا مدارس، عجائز بلا أخبار، ومحاربون بلا سكن… لكن هناك دوماً فيلا جديدة تُوهب باسم العدل والموهبة. كلّ شيء قابل للإنكار في هذا البلد، ما عدا حقيقة أن بعضهم وُهِب كل شيء، ووهبوا زوجاتهم ما لا يحلم به الفقراء حتى في أحلام يقظتهم. أما الباقي؟ فيُوصَفون بالناكرين للجميل، فقط لأنهم لا يملكون موهبة “التصفيق للنهب”.
وهكذا تصير العدالة الاجتماعية: مقاولة عائلية، تُنجز على المقاس وتُهندس بالعاطفة، وتُبرر بالابتسامة والسلطة و”الهبة”
ومحظوظ من يتزوجه الوزير.