الألباب المغربية/ ذ.عزالدين المولي *
فتح الشريط الوثائقي المتعلق بجفاف أرض زاكورة، أبواب الذاكرة وهي تتأمل صورة الإنسان الدرعي المتمسك بحبات الرمال وجدائل النخيل، لأجدني أمام قصيدة “محمود درويش” القائلة: “علقوني على جدائل نخلة، واشنقوني فلن أخون النخلة” كما أعاد ذهني كذلك إلى تمثل قصة العذراء مريم وهي تنصت إلى قول ربها رغم ألم مخاضها “وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا”.
وإلى تذكر كتاب “الزرع والنخيل” للجاحظ وغيرها من الهمسات الذهنية والوجدانية التي تحضر نصب أعيني كلما ذكرت النخلة .
هي صور تعبر عن البقاء والتشبث بالأرض رغم مخاض عسير لعقيم تتوهم ولادة قطرة ماء .
وعن تلك العلاقة الروحية والأبدية بين الإنسان والأرض أو بالأحرى بين الإنسان وأصله طينته التي خلق منها، إلى حين قطع ذلك الحبل الأخير بقوله: “احرق هادشي” لتنبعث مراودة أفكار الهجرة إلى الأذهان بعد تعذرت سبل العيش في المنطقة .
إن فناء النخيل كشجرة تتميز بالصبر والقدرة على تحمل هو تعبير أن واحة “درعة” صبرت أكثر من أم موسى، حتى وصلت إلى مرحلة الفناء، فبعد أن كانت النخلة تستظل بظلها باقي النباتات وأداة لمحاربة التصحر، فها هي بقيت وحيدة تقاتل وتستسلم يوم بعد يوم للموت البطيء .
تصحر النخيل بعدما جفت المياه الجوفية ولم تجد عروقها ما يسد عطش النخلة، فلا رطب بقيت ولا ثمار جنيت .
إن قول الحريق هو تعبير عما وصلت إليه واحة درعة إلى حطب يابس بعدما كان أخضر ووافر العطاء، وهو تقريب لصورة ما آلت إليه واحة درعة للسلطات من أجل التحرك لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان .
إن قول الحريق هو لجوء إلى أخر دواء للداء والألم هو كية النار، ليس نار معالجة النخلة من مرض بيوض وإنما نار موت الرحمة والرأفة بنخلة، وموت ذلك العشق الدفين الذي يحمله الإنسان الدرعي المتعلق بنخلته .
هكذا تحدث وأوجز وقرب صورة واحة درعة، التي تنادي إلتفات الدولة من أجل الحد من الجفاف و تسهيل الإجراءات الإدارية وتقديم المساعدات المالية واللوجيستيكية والإدارية للساكنة حتى تخفف من معاناة المنطقة، التي تعاني وتناجي أيام خلت وتنتظر الغيث من الله تعالى فنسالك يا الله غيثا نافعا. ونسألك رفع سنوات القحط والمجدبات لتعود سنوات الوفر والمخصبات لواحة النخيل وأناسها لقد مرت سنوات العجاف وننتظر يا الله تحقق رؤية العزيز من جانبها الخضر فقد هلكتنا سنوات اليابسات .
*محام بهيئة الدار البيضاء – دكتور في الحقوق