الألباب المغربية – حليمة صومعي
يعتبر السحر والشعوذة من أخطر الأعمال التي عرفت انتشارا رهيبا في حياة الناس، وباتت تهدد المجتمع في معتقداته الدينية ومناط هذا راجع إلى ضعف الوازع الديني وتنامي الإحساس المادي المفزع لدى البعض، وهنا تظهر أهمية الموضوع من حيث ارتباطه ارتباطا وثيقا بقواعد الدين من جهة، أو بممارسات إجرامية تتصل بها بشكل وطيد لتكوين طقوس السحر والشعوذة. و من أبرز الظواهر الإجتماعية المنتشرة في عدد من المجتمعات لا سيما العربية، وهي ظاهرة تعود لأسباب عديدة قد يكون اليأس أحدها.
تنامي ظاهرة السحر والشعوذة، تنقسم إلى جزئين أساسيين وهما العامل الاجتماعي، والعامل الشخصي.
بالنسبة للعوامل الشخصية، تتعلق بالفرد أن اعتقاد البعض بفعل الخرافات والخزعبلات، بهذه القدرة الأسطورية على حل القضايا العالقة بكل شخص، مما ساهم في صنع الدجالين، والسحرة لحل مشاكله التي عادة تعد تقليدية في بعض المجتمعات أبرزها العربية التي ما زالت تملك تفكيرًا “خرافيًا” في بعض الأحيان، فيسعون إلى طريقة أسهل وأسرع لتبرير عجزهم لتحقيق الآمال العريضة، ومنهم من يكون دافعهم، الجهل بأحكام الشرع حيث يلجأ البعض منهم إلى المشعوذين والسحرة، مع أن الله سبحانه وتعالى حرم الدجل لأنه افتراء بالكذب.
وهذا السياق، قال سبحانه وتعالى :(ان الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون، متاع قليل ولهم عذاب أليم ).صدق الله العظيم.
هذه الخصائص الفردية يشعر فيها الإنسان، بأنه غير قادر على السيطرة على أموره، ولا يملك مقومات ترشده إلى تغيير واقعه الذي من المفترض أن يكون في يده، فيجرّب الأساليب الأخرى المتاحة، ومنها الشعوذة وغيرها.
وبخصوص العوامل الاجتماعية، تلجأ المجتمعات إلى المنجمين والعرّافيين على الرغم من عدم اعتراف جزء كبير منهم بذلك، وبالتالي تتشكل صعوبة في قيام أبحاث علمية توضح الأمور الخفية؛ لأن التحدث عن الموضوع بشجاعة قد يكون حسّاسًا للغاية في بعض المجتمعات.
فالإنسان محدود التعليم والتفكير، هدفه من السحر يختلف عن المتعلم، والمتمكّن في المجتمع الذي قد تكون أهدافه بدافع حب السيطرة، أو الحفاظ على سلطة معينة، أو حتّى مشاكل نفسية خاصة.
الآثار الاجتماعية المترتبة على السحر والشعوذة، نجد النفور بين المرأة وزوجها، والعنف الأسري، وتفكك الأسرة، وهجر فراش الزوجية أو البيت، والطلاق، والإصابة بالأمراض المزمنة، والعنوسة، وعدم الإنجاب، وضياع مستقبل المسحور، وإصابته بالجنون الذي يؤدي في بعض الأحيان إلى الموت، والتشرد والتسكع بين الأزقة، والشوارع.
ولعل أكثر العوامل المساعدة على تفشي هذه الظاهرة، هو كثرة التواصل بين الناس عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والذي ساعد بشكل كبير على تقاسم المعلومة في شأن السحر، بسبب انتشار سماسرة المشعوذين، الذين يبذلون قصارى جهدهم لاستقطاب زبائن، يعانون من كثرة العقد والمشاكل النفسية، هذا من جهة.
من جهة أخرى، من المفروض على الوسائل الإعلامية، محاربة هذه الظاهرة باعتبار دورها الإعلامي والمثقف، وليس المساهمة في تشجيع هذه الآفة الخطيرة الاجتماعية، وأقوى دليل على ذلك هو المساحة التي يخصصها التلفزيون، والمحطات الفضائية لقارئي الفنجان، وغيرهم من العرافين، إلى جانب شعبية الأبراج في الصحف المحلية، والشعوذة والسحر، وبطرق جذابة مرفوقة بأرقام الهواتف مما يؤثر على عقلية العديد من الشباب، والنساء، والفتيات، ويعطي مصداقية لبائعات الأحلام، وبائعي الأوهام، كما تعمل على تفشي أساليب النصب والاحتيال التي يمارسها هؤلاء الدجالين على ضحاياهم.
كيف أصبح “السحر والشعوذة تجارة رابحة”؟
في ما يتعلق بالشق المالي، “لو لم يكن هناك مردود مادي أو أرباحا، ما كنّا لاحظنا هذا الانتشار السريع الذي نلمسه داخل بعض الأسر، ومن هنا نجد زبائن يتهافتون على التنجيم والسحر والشعوذة، بحيث ستبقى هذه الظاهرة تجارة رابحة، مثل أي بضاعة تلقى قبولًا في الأسواق.
اما فيما يخص الآثار الاجتماعية المترتبة على هذه الظاهرة، تتجلى في تنامي هذا التسيب في المجتمعات، واستخدامها من قبل الأفراد لحلّ مشاكلهم، وقد يولي الإنسان محاولة حل مشاكله لخرافات أو أمور غامضة، لتصبح بديلة عن الأمور الملموسة التي من شأنها أن تستدرك علاجًا للأزمات بطريقة علمية واقعية.
اليوم نحن بحاجة ماسة إلى مزيد من الوقت، وإلى كثير من الصراع مع المناخ الثقافي السائد من ناحية، والصراع مع الذات من ناحية أخرى، للخروج من هذه الظواهر التي سيطرت على عقول البشر، والأخذ بناصية العلم والمعرفة والتكنولوجيا، وامتلاك رؤية بمنأى عن الخوف من الكائنات الخرافية التي لا أساس لوجودها البتة، والتعامل مع مكوّنات هذا العالم بقدر أكبر من العلم والثقة.