الألباب المغربية/ محمد خلاف
عاش معيطي بن كبور كما كان يحلو لناس القبيلة مناداته راعي غنم يعزف على كمنجته التقليدية في كل الأرجاء نهارا وليلا، يعتبره الكل سفيها،غبيا لكنه يعتبر نفسه موهوبا في سوء الفهم، كان يتقن عملية تبليط التبن بالطين أو بناء النوادر، برع أيضا في اصطياد القنافذ عبر كلبه المطيع الأسود(فاكس)، يتقن تقساس الكيف وتخليطه بطابا وتقسيمه حسب الأذواق، لإيهاب الأفاعي والعقارب والسحليات، يساعد الناس في الأشغال الفلاحية جميعها لأنه كان يمتلك حمارة وعربة مجرورة (كارو) وبعض البراميل لجلب الماء من بعض الآبار البعيدة… بعدما جمع مبلغا ماليا بسيطا وأخذ الباقي من القرض الفلاحي مقابل رهن قطعة أرضية ورثها عن أبيه، وبنى بيتا طينيا وكوشينة واشترى حماما من القصب وبناه جوار البيت قرب مطمورة هي الواد الحار عنده، استعدادا للاحتفال بعروسته، في تبرم منه لأنه تعود على قضاء حاجاته أنى يشاء.. تزوج من السعيدية بنت الغزواني التي كانت يتيمة تعيش مع زوجة أبيها فكون بيتا بسيطا بمساعدة أحد أبناء عمومته، وأصبح يشتغل بجد وكد في جميع المهن، فأنجب معها ثلاثة أبناء كلهم ذكور، ساعدوه في متاعب الحياة منذ صباهم، وكان رجال ونساء الدوار يتعجبون من حذاقتهم والتزامهم وحسن تربيتهم رغم خروجهم المبكر من الدراسة جراء الفقر المدقع وبعد مرحلة الدراسة الإعدادية فقط، حتى أن أحد من عرف بالنكتة والهزل والنميمة في الدوار يقول دائما في تشبيه أبناء معيطي (الحمارة العوجة كتولد ديما الدحوشة المزيانين) فسافر أكبرهم سرا إلى ايطاليا عبر لاس بالماس، فعمل على البحث لأخويه على طريقة للهجرة كذلك فكان لهم ذلك عبر (كونطرادات) عقود عمل فلاحية، فأعجب بهم جميعا باطرون وفلاح إيطالي مشهور نواحي بيسكارا، فأصبحوا الكل في الكل بضيعاته…. أصبح المعطي بعد أن تغير إسمه من معيطي، مرتاحا ينعم بأموال أوروبا، وبنا منزلا رائعا، وحج بيت الله رفقة السعيدية، كما بنى زريبة كبيرة وحفر بئر، وأصبح له راعي غنم وبعض العمال تحت طلبه، لكنه دوما يقول أنه من النادر أن يملك الإنسان السعادة الحقيقية في حلقة الأغنياء عما هو عليه في حلقة الفقراء، دوما يهرب إلى أحلام الطفولة كلما ضاع في دوامة الحياة لأن فيها صورته الحقيقية. إذ تجده نائما فوق بردعة تحت شجرة وبجانبه بعض الدجاج، حاملا نشاشة رغم توفره على أحدث كليمة بالمنزل.
كما أصبح له قطيع غنم كبير جدا، والعديد من الحساد بعدما كان مصدر استهزاء ورأفة وعطف، وفي استعداده كعادته لتوفير أجود القطيع لعيد الأضحى المنصرم لترويجه بكازا كعادته بعدما أضحى وجوها مألوفا عند البيضاويين له مكان مشهور بمدخل المدينة، يتعامل برفق وبالكريدي مع من يعرف من الناس، قبل ذلك بأيام قليلة وفي غفلة منه ومن الراعي الذي نام جراء مرض ألم به وأصبح كما يقال في لغة الفراقشية مصباحا للسارقين وربما بعملية مدبرة كما يقول الحاج المعطي فوجئ بسرقة قطيعة الغني بالخراف السمينة عبر شاحنة تركت آثار عجلاتها من قبل عصابة الفراقشية الذين حملوا القطيع كاملا بكلب الحراسة أيضا، أزبد وأرغد الحاج المعطي وتوجه عند الدرك الملكي وبعض الشوافات بالمناطق المجاورة بعد أن شك في تواطؤ بعض أبناء الدوار، يجول ويطوف بالمنزل ويردد لازمة مفادها أنه سيعيش ويموت فقيراً، رغم أن أولاده بإيطاليا طلبوا منه نسيان الأمر وتعويضه بالمبلغ الذي يريد، بعد مرور يومين، وبينما الحاج المعطي جالس على حجرة كبيرة رفقة زوجته وبعض عائلته والحديث عن الاحتمالات والأسباب وراء السرقة، شاهد قدوم الكلب الذي سرق أيضا مع القطيع يعود منهكا، متسخا إلى المنزل بعدما تخلص منه الفراقشية بعيدا، نهض من مكانه واستقبله وأمام اندهاش الجلوس بدأ يسأله (وقول ليا عا فين داو الغنم وشكون هوما؟ أنا مزاوك بيك لما قول، دير عا علا وجه الطعام والله ماتخاف؟؟؟)، كما توعد الكلب بحمله غدا عند الجدارمية لكي يستنطقوه، لعله يقر بالسارق ومكان المسروق… في ضحك كالبكاء من الحضور….