الألباب المغربية/ د.حسن شتاتو
القراءة الدقيقة بين سطور الخطاب الملكي قد يعبّر عن حسّ تحليلي عالٍ وقدرة على التقاط المعاني الضمنية التي لا تُقال صراحة. غير أن السؤال الجوهري الذي يفرض نفسه اليوم هو: هل ما زالت لغة التلميح مجدية في زمن لم تنفع فيه حتى لغة التصريح؟
حين تتراكم الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والإدارية، ويستمر البطء المؤسسي والبيروقراطي في خنق المبادرات، يصبح التلميح السياسي نوعًا من الترف البلاغي الذي لا يغيّر الواقع. فالزمن المغربي قد تغيّر فعلًا، لكن الخطاب – مهما بلغ من ذكاء لغوي – لا يمكنه أن يعوّض الفعل ولا أن يشخّص العطب من دون تسمية الأشياء بأسمائها.
إن لغة “التحفيز الرمزي” فقدت الكثير من تأثيرها، لأن المواطن لم يعد يقرأ الخطابات بعين المتأمل، بل بعين المتضرر من بطء الدولة ومن العجز المزمن في الإدارة العمومية. لذلك، الخطاب الحقيقي الذي يحتاجه المغرب اليوم هو خطاب يجرؤ على التشخيص الصريح، ويقدّم العلاج لا التوصيف فقط.
فما نعيشه ليس أزمة رؤية بقدر ما هو أزمة تنفيذ وإرادة. لم يعد يكفي أن ننتقد العقليات القديمة، بل يجب أن نواجهها بالإصلاح المؤسسي الفعلي، بالقانون، بالمحاسبة، وبإعادة تعريف معنى المسؤولية العمومية.
لقد كانت آية “فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره…” تذكيرًا قويًا بالمحاسبة، لكنها أيضًا اعتراف ضمني بأن ميزان العدالة مختل. وما لم يُقل فعلاً هو أن الإصلاح لم يعد خيارًا تدريجيًا بل ضرورة وجودية للدولة نفسها، إن أرادت أن تواكب مجتمعًا بدأ يفقد الثقة في جدوى الوعود. إن التلميح في السياسة، مهما كان راقيًا، لا يصنع التغيير، والتاريخ لا يذكر من لمح، بل من صرّح وواجه واتخذ القرار.