الألباب المغربية/ محمد عبيد
كشفت أشغال الجلسة الثانية للمجلس الجماعي لفاس المنعقدة يوم الأربعاء 15 أكتوبر 2025، عن حجم أزمة التي ارتبطت بملفات تنموية واقتصادية عالقة، وعن واقع المجلس الجماعي لفاس الذي يعاني من مظاهر عجز واضحة وصادمة، في موضوع المنجزات الوهمية التي شكلت فضيحة فنية وتقنية تُكَرِّس البؤس.
الجلسة الثانية لم يقتصر العجز على غياب المنتخبين، بل طال حتى “منجزات” الجماعة نفسها، التي حسب الحاضرين والمتتبعين خاب الظن والتوقع على إثر عرض شريط وثائقي في هذه الجلسة، والذي كان يهدف للترويج لإنجازات المجلس، حيث تحول إلى وثيقة إدانة بامتياز.
ذلك أن العرض الوثائقي على مستوى المضمون تميز بركاكة واضحة وأسلوب ضعيف، وادعاءات بمنجزات وهمية، مما يضع مصداقية الرئاسة ومن خلفها على المحك.
بينما على مستوى الشكل والإنتاج، كانت الصدمة أكبر، حيث أظهر الشريط عجزاً واضحاً عن إنتاج شريط في المستوى، ضعف كبير في التصوير وإخراج فني وتقني متردٍ، وصوت يفتقد للحد الأدنى من المعايير، كلها عوامل كرست الصورة البئيسة التي ترسم على المدينة.
هذا التدهور يطرح تساؤلاً ملحاً حول المسؤول عن هذا البؤس: هل قامت به مصالح الجماعة المكلفة بالتواصل؟ بما يعكس ضعفاً داخلياً فادحاً، أم تم اللجوء إلى أطراف خارجية في إطار صفقة، مما يفتح الباب أمام تساؤلات حول معايير اختيار مقدمي الخدمات، وتبذير المال العام في مقابل منتوج هزيل؟ المسؤول عن التسويق الجيد للمدينة أصبح يساهم في تشويه صورتها بدلاً من تحسينها.
وإن كانت السمة الأبرز هي الغياب المرعب للأعضاء، وخاصة المحسوبين على فرق الأغلبية، فإن هذا الغياب يساءلهم أخلاقياً وسياسياً، ويؤكد على وجود شلل يضرب المؤسسة المنتخبة، ويترك مصالح الساكنة معلقة في مهب الريح، وعن التزامهم الأخلاقي بالترافع عن المدينة مما يبدو قد تآكل أمام حسابات سياسية ضيقة أو اللامبالاة غير مبررة.
إذ في خضم هذا المشهد المأساوي، يبدو عمدة فاس، عبد السلام البقالي، وكأنه يقف وحيداً في مجلس أفرغته المقاطعة والتشنجات…
ولقد اعتبر لغياب الجماعي للأعضاء، خاصة من الأغلبية، بمثابة صفعة قوية تُوجه إلى رئاسة المجلس.
ويجمع المتتبعون على أن الشلل القطاعي تعيشه فاس، وتترسخ صورة المدينة وهي غارقة في أزمات البنية التحتية، والنقل الحضري المتعثر، وتدهور الخدمات الصحية، وضعف الاستثمار، وهي تحديات ضخمة تنتظر الحسم.
كما أن هناك مؤاخذات تم تداولها في المواقف الانفرادية والعزلة، ذلك حين يجد العمدة نفسه محاصراً، لا بغياب المعارضة فقط، بل بمقاطعة صامتة من داخل صفوفه، مما يشير إلى تصدع عميق في الجسم المسير للمدينة. الجلسة الثانية كانت بمثابة مؤشر خطير على أن قاطرة التنمية في فاس قد دخلت فعلياً في مرحلة شلل تام.
وهو ما شكل بصفة عامة صادمة، ووضع عبد السلام البقالي عمدة المدينة في مرمى نيران الأزمة الصامتة! وجعل فاس تُعري نفسها نظير عجز في التدبير وفراغ في قاعة المجلس، وبالتالي تجد سلطات ولاية فاس، نفسها أمام جدار صلب من جملة من التحديات .
ويبقى التحدي الأكبر لسلطات ولاية فاس ليس فقط التعاطي مع ملفات فاس العالقة، بل هو فك العقدة السياسية والإدارية لمجلس جماعي بات مثالاً حياً للمدينة البائسة التي خانها منتخبون أغلبيةً وأقليةً، وتركوا رئيسا يواجه مصيره في دورات خاوية على عروشها، لا ينتظر منها سوى مزيد من العجز والتأزيم.
ويعول على خالد الزروالي، الوالي الجديد، أن يفعّل صلاحياته التنسيقية والرقابية للضرب بقوة على أيادي التقاعس، فصورة العاصمة العلمية أصبحت في الحضيض، والمسؤولية تقع على عاتق من اختاروا المقاطعة والصمت على حساب الترافع والعمل.