الألباب المغربية/ شاشا بدر
أجد نفسي كثيرًا أفكر في الظاهرة التي أصبحت شائعة في مجتمعنا المغربي، حيث أصبح البعض يحكمون على الناس بناءً على مظهرهم الخارجي، وظيفتهم، أو ممتلكاتهم المادية. بدلًا من التركيز على قيمتهم الحقيقية، طيبتهم، صدقهم، ومعقوليتهم، نجد أن هذه الأمور أصبحت في الخلفية، بينما يتصدر المظهر الخارجي والمكانة الاجتماعية الحكم على الشخص.
في الماضي، كان المغاربة يتميزون بكرمهم، طيبتهم، وقيمهم النبيلة التي كانت هي المعيار الأساسي في تقييم الناس. لكن الآن، يبدو أن هذه القيم بدأت تتلاشى تدريجيًا، لتحل محلها معايير مادية سطحية. إذا لم يكن لديك وظيفة مرموقة، أو لم تكن ترتدي الملابس الفاخرة، فقد تجد نفسك تلقائيًا في مرمى الأحكام المسبقة والنظرات القاسية.
هذه الظاهرة ليست مجرد مسألة اجتماعية بسيطة، بل لها أبعاد نفسية وثقافية عميقة. عندما ينشأ الفرد في مجتمع يقيس قيمته بناءً على مظهره الخارجي أو ما يملك، يشعر بضغوط هائلة للتماشي مع تلك التوقعات. يبدأ الناس في إنفاق أموالهم على الأشياء التي تعزز صورتهم الاجتماعية، بدلاً من الاستثمار في تطوير ذواتهم أو مساعدة الآخرين. أصبحت الموضة والسيارات الفاخرة والهواتف الذكية هي ما يميز الشخص عن غيره، وليس أخلاقه أو مساهمته في المجتمع.
هذا التوجه نحو المظاهر يؤدي إلى ظهور فئة من الأشخاص الذين يسعون فقط وراء المظهر المثالي والوظائف التي تعطيهم مكانة اجتماعية، دون النظر إلى مدى توافق هذه الوظائف مع قيمهم الشخصية أو مدى إسعادهم. ما هو الثمن الذي ندفعه عندما نضع القيم الحقيقية في مرتبة أدنى؟ هل يمكن لمجتمع كهذا أن يزدهر على المدى الطويل؟ أجد نفسي أجيب بالنفي.
من المهم أن ندرك أن الطيبة، الصدق، والمعقول ليست مجرد كلمات جوفاء، بل هي أساس متين يبنى عليه المجتمع. بدونها، نفقد البوصلة الأخلاقية التي توجهنا في حياتنا اليومية. الطيبة تجعلنا نفهم الآخرين ونتعاطف معهم، الصدق يجعلنا نبني علاقات قوية وثابتة، والمعقول يجعلنا نتخذ قرارات سليمة تعود بالنفع على الجميع.
للأسف، عندما نضع المظاهر فوق هذه القيم، نخلق مجتمعًا يعاني من انعدام الثقة، الأنانية، والاضطراب النفسي. الأشخاص الذين لا يمتلكون تلك “السمات” الخارجية التي يقدرها المجتمع قد يشعرون بأنهم أقل قيمة، مما قد يؤدي إلى مشاعر الدونية والإحباط. بينما أولئك الذين يسعون وراء المظاهر دون الالتفات إلى قيمهم الحقيقية قد يجدون أنفسهم في نهاية المطاف يعيشون حياة فارغة وغير مرضية.
لكن كيف يمكننا تغيير هذا الواقع؟ في رأيي، الحل يكمن في العودة إلى جذورنا وقيمنا الأصلية. علينا أن نعيد التركيز على أهمية الطيبة، الصدق، والمعقول في حياتنا اليومية. يجب أن نكون قدوة حسنة لأجيالنا القادمة، نعلمهم أن الإنسان لا يقاس بما يملك أو بما يرتدي، بل بقيمه الإنسانية وأخلاقه.
أعتقد أن كل منا يمكنه أن يبدأ بتغيير هذه النظرة من خلال تعامله اليومي مع الآخرين. عندما نقيم الأشخاص بناءً على من هم حقًا وليس على ما يمتلكونه، نرسل رسالة قوية إلى المجتمع بأن القيم الحقيقية لا تزال مهمة. قد يكون التغيير صعبًا، لكنه ممكن إذا بدأنا جميعًا بخطوات صغيرة.
يجب أن نتذكر أن المظاهر خادعة، وأن القيم الحقيقية هي التي تدوم. إن أردنا بناء مجتمع متماسك وقوي، يجب أن نعيد الاعتبار لتلك القيم التي جعلت منا شعبًا معروفًا بكرمه وطيبه. علينا أن ننظر إلى ما وراء المظاهر ونرى الإنسان الحقيقي الذي يقف أمامنا. فهذا هو الطريق نحو مجتمع أكثر توازنًا وإنسانية.