الألباب المغربية/ بدر شاشا
في المغرب، يكثر الحديث عن الإصلاح، عن النهوض بالصحة والتعليم، عن الكرامة والمساواة وجودة الخدمات، ولكنّ الواقع يُكذّب كل تلك الشعارات حين نقترب من الميدان. فالمستشفيات العمومية في معظم المدن والقرى، والمدارس العمومية في مختلف الجهات، أصبحت اليوم مرآة تعكس ضعف المراقبة، وانعدام المحاسبة، وتراخي المسؤولين عن أداء واجبهم كما يجب.
حين يغيب التفقد الأسبوعي والمراقبة المستمرة، تتفشى الفوضى. في المستشفيات، يتحول المرضى إلى أرقام تنتظر رحمة الممرضة أو الطبيب، ويضيع حق المواطن البسيط بين طوابير الانتظار الطويلة وغياب الأدوية والمعدات. وفي المدارس العمومية، تتدهور جودة التعليم حين يغيب التفقد والمحاسبة، وحين لا يجد التلميذ أمامه مدرسًا محفزًا ولا إدارة ملتزمة ولا مراقبة حقيقية من الجهات العليا.
المشكل الحقيقي ليس في ضعف الإمكانيات فقط، بل في غياب المراقبة الصارمة والتتبع الميداني المنتظم. فلو كانت هناك زيارات أسبوعية مفاجئة من لجان جهوية ومحلية للمستشفيات والمدارس، لما تجرأ أحد على التهاون أو التلاعب بمصالح المواطنين. المراقبة المنتظمة ليست ترفًا إداريًا، بل هي صمام أمان لأي إصلاح حقيقي.
في المستشفيات العمومية، المواطن لا يطلب الكثير: طبيب حاضر في وقته، دواء متوفر، نظافة في المرافق، وابتسامة من الطاقم. لكن غياب المراقبة جعل البعض يتعامل مع المرفق العمومي كأنه ملك خاص. حالات الغياب، الإهمال، الرشوة الصغيرة والكبيرة، كلها مظاهر ناتجة عن ضعف المتابعة.
وفي المدارس العمومية، ينعكس نفس المشهد. التلميذ المغربي لا ذنب له في أن يدرس في أقسام مكتظة، وأن يواجه مدرسين غير محفزين، ومقررات تتغير دون تقييم، وغياب حقيقي للمراقبة التربوية المنتظمة. المفتش الذي لا يزور إلا مرة في السنة، والمدير الذي يكتفي بالتقارير الورقية، لا يمكنهما معرفة حقيقة ما يجري في الفصول الدراسية.
المحاسبة الصارمة ليست انتقامًا، بل إصلاح. حين يعلم كل موظف عمومي، طبيبًا كان أو أستاذًا أو مديرًا، أن هناك مراقبة فعلية أسبوعية وأن أي تقصير سيحاسب عليه فورًا، سيتغير السلوك تلقائيًا. فالقانون حين يُطبق بعدل وحزم، يخلق الانضباط، وحين يُغيب، تتفشى الفوضى.
الإصلاح الحقيقي يبدأ من الميدان، لا من المكاتب المكيفة. نحتاج إلى فرق مراقبة جهوية دائمة، تتفقد المدارس والمستشفيات بشكل مفاجئ ومنتظم، ترفع تقارير دقيقة، ويُتخذ بناءً عليها قرارات فورية. كما يجب تفعيل آلية التبليغ من المواطنين أنفسهم، عبر منصات رقمية تُمكّنهم من رفع شكاياتهم وملاحظاتهم مباشرة إلى الجهات المختصة دون وساطة أو خوف.
إن بناء دولة قوية لا يقوم على الشعارات ولا على الخطط النظرية، بل على نظام مراقبة ومحاسبة فعلي. فكلما غابت الرقابة، مات الضمير المهني، وكلما غابت المحاسبة، زاد التهاون والاستهتار. المستشفيات والمدارس العمومية ليست مجرد مرافق، بل هي مؤسسات تحفظ كرامة الإنسان وتبني مستقبل الوطن.
فلنبدأ إذًا من الأساس: مراقبة أسبوعية صارمة، محاسبة فورية لكل متهاون، وربط المسؤولية بالمحاسبة كما نصّ عليه الدستور. عندها فقط، يمكن أن نحلم بمغرب جديد، مؤسس على الجدية والالتزام وخدمة المواطن قبل كل شيء.