الألباب المغربية/ عزيز لعويسي
بعد ساعات من الترقب والانتظار، أسدل الستار عن الانتخابات النيابية الإسبانية المبكرة، بتصدر الحزب الشعبي اليميني بزعامة ألبرتو نونييس فيخو، دون تحقيق الأغلبية لتشكيل الحكومة(136 مقعد)، متقدما علىالحزبالاشتراكي الحاكمبزعامة رئيس الوزراء الحالي بيدرو سانشيز(122 مقعد)، متبوعين بفارق كبير على التوالي بحزب فوكس اليميني المتطرف(33 مقعد)، والحزب اليساري المتطرف سومار(31 مقعد)، فيما تفرقت الأصوات المتبقية على عدد من التشكيلات الحزبية الصغيرة، وذلك وفق نتائج رسمية شبه نهائية؛
وفي ضوء النتائج المحققة، من السابق لأوانه التكهن بهوية الحكومة الإسبانية المرتقبة، التي ستلعب فيها لعبة التحالفات دورا حاسما، ما لم يتم المرور إلى انتخابات جديدة، كما من الصعب لأوانه إثارة موضوع العلاقات بين الرباط ومدريد، ومدى قدرة الحكومة القادمة في حالة إذا ما قادها الحزب الشعبي اليميني، على الالتزام بتعهدات حكومة بيدرو سانشيز، بخصوص الاتفاقات المبرمة مع المغرب، بما في ذلك الموقف من قضية الصحراء المغربية؛
ما هو ثابت أن النتائج المحققة ستحرك أوهام نظام الشر، الذي قد يتنفـس الصعداء، إذا ما لم تسعف لعبة التحالفات بيدرو سانشيزعلى قيادة الحكومة لولاية جديدة، والذي سجل له التاريخ، تسديـده لضربة موجعة غير مسبوقة للنظام الكابراني، بعد الإعلان عن موقف تاريخي إسباني غير مسبوق بشأن قضية الوحدة الترابية للمملكة، عجل بإدخال العلاقات بين الرباط ومدريد إلى عهد جديد من التعاون، قوامه المسؤولية والمصداقية والصداقة والحوار وحسن الجوار، والتشارك ولغة المصالح المشتركة، وسيراهن النظام المفلس كعادته، على كل الأدوات القدرة والبئيسة، لتغيير مجرى ماء الموقف الإسباني بخصوص قضية الوحدة الترابية، إذا ما مسك الحزب الشعبي بزمام السلطة، على غرار ما تم الرهان عليه، بعد وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض، خلفا للرئيس الأسبق دونالد ترامب، الذي زعزع قبل مغادرته للسلطة، عرش الكابرانات باعتراف أمريكي تاريخي بمغربية الصحراء؛
الحكومة الإسبانية إذا ما كانت بألوان اليمين، من الصعب حسب تقديرنا، أن تبحر في الاتجاه المعاكس بخصوص العلاقات مع الرباط، ولا خيار لها، سوى تثمين المكتسبات التي تحققت في عهد حكومة الاشتراكيين على عهد سانشيز، والمضي قدما نحو إعطاء نفس جديد للعلاقات بين البلدين الجارين، استحضارا للاتفاقيات المبرمة قبل أشهر بالرباط في إطار الاجتماع رفيع المستوى، واعتبارا لما تمثله الصحراء بالنسبة للمغاربة قاطبة، وتقديرا لما عرفته وتعرفه القضية من دينامية دبلوماسية، تعززت باعتراف إسرائيلي تاريخي بمغربية الصحراء، وما تعيشه المملكة من أوراش تنموية كبرى وما انخرطت فيه من شراكات استراتيجية ثنائية ومتعددة الأطراف، داعمة للوحدة الترابية ودافعة نحو تملك القوة والقدرات، في سياق جيوسياسي إقليمي ودولي، مطبوع بالقلق والتوجس والتوتر؛
لكن وعلى الرغم من أهمية، محافظة الحكومة الإسبانية المرتقبة على صلابة الموقف الإسباني التاريخي بخصوص قضية الوحدة الترابية، فلا يمكن البتة، ربط مستقبلنا بالرهان على مواقف الحكومات الإسبانية المتعاقبة،في مغرب لم يعد كمغرب الأمـس، كما لا يمكن أن نبقى منشغلين، بمناورات نظام الشر، الذي بلغ مستويات غير مسبوقة من الحمق والتيه، ولا معولين على الدول التي لازالت مصرة على الكبرياء والعناد، فلابد أن نثق في قدراتنا الذاتية، ونترافع عن مصالحنا الحيوية من موقع قوة، وبما يلزم من الشجاعة والحزم والتبصر، ونؤمن بعدالة ومشروعية قضية وحدتنا الترابية، وأن نكون أفرادا وجماعات أوفياء للوطن ومخلصين لثوابت الأمة، بلم الشمل وتمتين الجبهة الداخلية، وتجنب أسباب الصراعات السياسية الضيقةغير المجدية، والتحلي بأقصى درجات المسؤولية والالتزام والتضحية ونكران الذات، دفاعا عن مصالح الوطن وقضاياه الاستراتيجية، والدفع بعجلة التنمية الشاملة والتصدي لأورام الفساد والريع، والاستمرار الذي لامحيد عنه، في توسيع دائرة الصداقات والشراكات، داعمين الدبلوماسية الرصينة التي يقودها جلالة الملك محمد السادس، بصمت وحكمة وسداد وحزم، والتي جعلت من ملف الصحراء تلك “النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم” وذاك “المعيار الواضح والبسيط، الذي يقيس به صدق الصداقات، ونجاعة الشراكات”؛
“نظارة” و”معيار” كانا كافيين، لإدخال دول كثيرة مثنى وثلاث ورباع إلى دائرة الاعتراف والسيادة، كان آخرها إسرائيل، وكشف النقاب عن المواقف الحقيقية لدول أخرى، إما ميالة إلى طرح الانفصال أو مترددة أو منتظرة أو متموقعة في المنطقة الرمادية، أو مصرة على التمسك بحبل العناد والكبرياء والابتزاز، كما هو حال فرنسا ماكرون، والحكومة الإسبانية المقبلة إذا ما تزعمها الحزب الشعبي، فلابد لها أن تدرك تمام الإدراك، أن علاقاتها بالرباط تحكمها “نظارة” ويضبط أوثارها “معيار”؛
وفي المجمل، فسواء كانت الحكومة المقبلة بألوان اليمين، أو استمر الاشتراكيون في قيادتها، فستبقى الصحراء في مغربها والمغرب في صحرائه، ولن يتغير البتة، مجرى نزاع مفتعل، بات يعيش آخر جولاته الحاسمة أكثر من أي وقت مضى، في انتظار أن يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، في مشهد انتخابي إسباني يظل مفتوحا على كل السيناريوهات الممكنة، بما فيها سيناريو الدعوة إلى انتخابات جديدة،ولايمكن إلا أن ننظر إلى الحكومة الإسبانية المرتقبة مهما كانت ألوانها، نظرة “ثقة” و”أمل”، إيمانا منا، أن ما بين الرباط ومدريد، تاريخ ضارب في القدم وعمق جيواستراتيجي لافت للنظر، وتحديات اقتصادية وأمنية واستراتيجية مشتركة، تجعل من الشراكة الشاملة، خيارا لامحيد عنه، لتجاوز المشكلات القائمة خاصة المرتبطة بالحدود، والمضي قدما في اتجاه تنمية العلاقات الثنائية، في إطار من المسؤولية والوضوح والمصداقية والاحترام والالتزام، لما فيه خير وازدهار لشعبين جارين، يجمعهما أكثر مما يفرقهما، ومهما أسهبنا في التحليل أو إبداء الرأي، لابد للمملكة أن تستمر في دبلوماسية الإبداع والإمتاع، باقتناص المزيد من المواقف النوعية الداعمة لسيادة المغرب على صحرائه، تزكية “للأسانيد القانونية الحقة والحقوق التاريخية الراسخة للمغرب في أقاليمه الصحراوية”، والرهان على جعل الصحراء، واجهة استثمارية وصناعية وتجارية عالمية، تشكل جسر عبور آمن لتبادل الخيرات والمنافع والمصالح بين إفريقيا وأوربا وبقية العالم، في أفق التحرك لطرد صعاليك تندوف من الاتحاد الإفريقي، لطي نزاع مفتعل طال أمده.