الألباب المغربية/ بدر شاشا
في قلب المعامل والمصانع، حيث تدور عجلة الإنتاج بلا توقف، يعيش الشباب المغربي يوميات مليئة بالضغوط النفسية والجسدية والاجتماعية التي لا تُطاق. داخل هذه المصانع، حيث تُعامل العمالة كآلات، يُفرض على الشباب تحقيق أعلى معايير الإنتاج والجودة دون أي اعتبار لحالتهم النفسية أو احتياجاتهم الاجتماعية. يُطلب منهم إنتاج كميات هائلة في وقت قياسي، وتحقيق مستوى عالٍ من الجودة، كل ذلك تحت رقابة مستمرة وضغوط لا ترحم من المسؤولين والمراقبين.
تلك الرقابة المستمرة، وتلك الضغوط اليومية التي تتزايد مع مرور الوقت، تخلق بيئة عمل خانقة حيث يصبح كل شيء مرهونًا بالنتائج. في تلك اللحظات التي تُحسب فيها الثانية الواحدة في إنتاجية العامل، تتبخر أحلام الشباب وطموحاتهم أمام جدار الواقع الصلب. هنا، حيث يكون الهدف هو ملء الأوراق ببداية الإنتاج وتحقيق أرقام ترضي الإدارة، يُنسى أن هؤلاء العمال بشر لهم احتياجات وتحديات خارج جدران المصنع.
تحت وطأة هذه الظروف، يعيش الشباب المغربي في حالة من العذاب الداخلي المستمر. إنهم يعملون بساعات طويلة وفي ظروف قاسية، كل ذلك مقابل أجر شهري لا يتجاوز 2900 درهم. هذا الأجر بالكاد يكفي لتلبية احتياجاتهم الأساسية، فما بالك بتأمين مستقبلهم أو تحقيق طموحاتهم. هؤلاء الشباب يجدون أنفسهم محاصرين بين متطلبات الحياة المتزايدة وتوقعات الإدارة التي لا تنتهي.
المصانع، التي يفترض أن تكون مكاناً للإنتاج والعمل، تحولت في نظر هؤلاء الشباب إلى سجون حديثة. كل يوم هو معركة جديدة للبقاء، حيث يتعين عليهم التكيف مع الضغوط النفسية الهائلة والتحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تزداد صعوبة. في هذه البيئة، تتراكم المشاعر السلبية: الإحباط، القلق، والاكتئاب. هذه الحالة النفسية المؤلمة تؤثر على حياتهم خارج المصنع، وتنعكس على علاقاتهم الاجتماعية وصحتهم النفسية والجسدية.
وفي ظل هذا الواقع المرير، يصبح من الضروري النظر بجدية إلى هذه المشكلة التي تؤثر على حياة الآلاف من الشباب المغربي. يجب أن نتساءل: هل يمكن تحقيق الإنتاجية والجودة دون التضحية بصحة العمال وكرامتهم؟ هل يمكن أن تتحول المصانع إلى أماكن عمل تحترم الإنسان وتعطيه حقه في العيش بكرامة؟
إن تحسين ظروف العمل وتخفيف الضغوط النفسية والاجتماعية على العمال يجب أن يكون أولوية قصوى. من الضروري إعادة النظر في السياسات المعمول بها داخل المصانع والمعامل لضمان توفير بيئة عمل إنسانية تتيح للعامل أن يعمل بكفاءة دون أن يُسلب منه حقه في الحياة الكريمة. فالإنتاجية لا تعني شيئاً إذا كانت تُبنى على عذاب الإنسان وكرامته.