الألباب المغربية/ ميمونة الحاج داهي
ليست السياسة فقط فنّ الممكن، كما يُقال، بل هي أيضاً فنّ التوازنات الدقيقة، خاصة حين تتشكل الحكومات من تحالفات حزبية يفترض أنها قائمة على التشارك لا الخضوع. ومن هنا، فإن تصريح رئيس الحكومة عزيز أخنوش بحق الأمين العام لحزب الاستقلال، لا يمكن قراءته فقط كزلة إعلامية أو تصفية حسابات ظرفية، بل يجب اعتباره مؤشراً على انزلاق خطير نحو منطق الهيمنة داخل التحالف الحكومي.
في علم السياسة، يتحدث أنطونيو غرامشي عن مفهوم الهيمنة باعتبارها قدرة طرف ما على فرض رؤيته ومصالحه من خلال خلق قبول طوعي من الآخرين. هذا بالضبط ما حدث في صمت حزب الاستقلال. لقد تحول الخلاف من نقاش داخل الحكومة إلى لحظة “إعادة تراتبية” داخلية، حيث يسعى الطرف الأقوى إلى ترسيخ مكانته كمرجعية سياسية واحدة، فيما يُختبر ولاء الباقين بقدرتهم على التحمّل والصمت.
ولعل المقولة التي تلخّص هذا الانزلاق، هي ما قاله تشرشل ذات يوم:
“التحالفات السياسية تشبه العشاء الملكي: من لم يُدعَ للجلوس إلى الطاولة، فهو بالتأكيد على القائمة”، فهل ما وقع هو تذكير لحزب الاستقلال بأنه لم يعد على الطاولة، بل في القائمة؟ وهل القصد من هذا التصريح الصادم هو إذلال متعمّد لزعيم الحزب، أم جسّ نبض القواعد الحزبية؟
السكوت عن هذه الإهانة لا يُعد فقط ضعفاً في الرد، بل قبولاً بمنطق الهيمنة، ورضوخاً لأحادية القرار، بما يعكس اختلالاً بنيوياً في آليات اشتغال التحالف. فحزبٌ لا يُدافع عن كرامة أمينه العام، لا يستطيع أن يُقنع المواطن بأنه يدافع عن مصالحه في مجلس الحكومة.
وإذا كان الهدف من هذه “المناورة الإعلامية” هو تأديب الحليف، أو الضغط عليه للتماهي أكثر مع خط الزعامة، فإن نتائجها الأخطر ستكون تفكيك الثقة المتبادلة داخل التحالف، ونسف آخر بقايا التوازن السياسي بين مكوناته.
إن التاريخ السياسي المغربي، رغم كل مراحله، لم يشهد أن اختبر حزب الاستقلال في كرامته كما يُختبر اليوم. والقرار الآن ليس تقنياً ولا ظرفياً، بل وجودي:
هل يريد الحزب أن يكون جزءاً من زعامة تُمارَس عليه، أم شريكاً يحفظ لنفسه هامش الكرامة والقرار؟
اللحظة أكبر من تصريح. إنها لحظة تقرير المصير السياسي لحزبٍ صنع استقلال الوطن، فهل يملك الشجاعة اليوم ليستعيد استقلاله الرمزي داخل الحكم؟