صحراء المغرب وبهتان المشرق.. عزيمة أمة

الألباب المغربية/ سعيد ٱيت حمو

كانت محطة السادس نونبر من سنة 1975 محطة مفصلية في مسيرة تحرير التراب الوطني للمملكة الشريفة من براثن المعمرين حيث دقت المسيرة الخضراء مسامير ما تبقى من نعوش الإحتلال، وكما وعد الملك الراحل في خطابه الشهير الذي سمي بخطاب المسيرة الخضراء، وطأت أقدام الشعب المغربي أرضا هي من أراضيه، وعانق أناسا يقتسم معهم الأرحام…. عاشت كل بقاع الوطن فرحة عارمة بإستكمال وحدته الترابية بعد جلاء الجيوش الإسبانية عن وادي الذهب والساقية الحمراء، ولو أنه كان للجارة الموريتانية نصيب من هذه الأراضي، وأقتنع المواطن المغربي بعدالة قضيته… للأسف، خلال تلك الحقبة كانت المملكة الشريفة خارجة لتوها من منعرجين عسكريين، أولهما هو خيانة بعض الضباط لوطنهم ولملكهم وللقسم الذي أدوه وهم يستلمون مهامهم في مناسبتين، العاشر من يوليوز 1971 والسادس عشر من غشت 1972، وثانيهما مشاركة القوات المسلحة في حرب الجولان نصرة للقضية العربية… لقد تسبب حدث الخيانة والإنقلاب في مراجعة كيفية تدبير المؤسسة العسكرية حيث أصبحت أكثر إنضباطا ووعيا بمسؤولياتها إلى يومنا هذا، ولقد تطلبت فترة إعادة الهيكلة وقتا ليس بهين علما أن المتآمرين هم وحدهم المسؤولون عن خطاياهم وليس كل المؤسسة العسكرية…  وكان لوقع المشاركة في حرب الجولان تأثير على تسليح البلد حيث إمتنعت بعض الدول المصنعة للسلاح الحربي كالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا عن بيع السلاح للمملكة المغربية.

ساهمت أخطاء بعض الموظفين الذين عينوا بمدن الصحراء المغربية في خروج بعض المغاربة عن جادة الصواب، كالوالي مصطفى السيد وعبد العزيز المراكشي وعمر الحضرمي…. وغيرهم، والذين كانوا ينضوون منذ 20 مايو 1973 تحت لواء جبهة تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، وإرتمائهم في أحضان الجارة الشرقية المنصهرة حتى الغباء مع دول المعسكر الشرقي والمقيدة بعقيدة الديمقراطية البروليتارية لإعلان العصيان والتمرد على الوطن الأم….

اعتبرت البوليساريو ومن يدور في فلكها من دول المعسكر الشرقي المغرب مستعمرا للصحراء، بل دفعهم غباؤهم إلى قلب المفاهيم بأرعن الطرق، واستغلال ما قام به فقهاء القانون بالمغرب من وضع الصحراء على قائمة تصفية الإستعمار سنة 1963 لفائدتهم، بل أعلنوا الكفاح المسلح وآزرهم في ذلك بوخروبة وعقيد لوكربي…. تكالبت على قواتنا الباسلة قوى الخبث والشر والحقد من الجزائر وليبيا وكوبا ومالي و…. مشكلين مرتزقة مؤطرة من طرف الجيش الجزائري بأوامر من بوخروبة وجروا المنطقة لحرب كانت في البداية غير متكافئة مادام العالم إمتنع عن إمدادنا بالسلاح عقابا لنا عن نصرة العرب بالحولان… قاومت قواتنا الباسلة رغم ظروفها، وأبان المغاربة، على غرار موحا وحمو الزياني وحمان الفطواكي وعلال بن عبد الله وغيرهم، عن رباطة جأش وارتباط بالوطن… ضحوا بالغالي والنفيس… منهم من أستشهد فداءا لقضيته الوطنية العادلة، منهم من أسر لعقود بزنازن البؤس ومنهم من قاتل بالفارسية والمحبس وتوكات النخلة والخريبشات وكلتة زمور والحوزة وبئر أنزران والعركوب و….. إلى أخر طلقة سنة 1991 سنة وقف إطلاق النار…. كان سندنا الخارجي الوحيد في تلك الحقبة هي المملكة العربية السعودية الشقيقة التي آزر حكامها الأفاضل العدل والعدالة أينما كانت، وعبر خدام الحرمين الشريفين عن شهامة قل نظيرها ومروءة العربي الأصيل….

في العاشر من مايو 1981 أنتخب فرانسوا ميتران الاشتراكي رئيسا على جمهورية فرنسا خلفا لفاليري جيسكار ديستان. إنتبه المغفور له الحسن الثاني للوضعية الجديدة التي كانت في صالح الجزائر، العدو الفعلي في قضية وحدتنا الترابية، وبرمج رحلة للولايات المتحدة الأمريكية للقاء رئيسها أنذاك رونالد ريغان…. كانت الزيارة تزيد بأسبوع عن سنة بالتمام والكمال بعد دخول ميتران قصر الإيليزي… وكان لقاء ريغان بالعاهل المغربي مطبوعا بالحفاوة مختلفا تماما عما كان عليه الوضع خلال فترة حكم جيمي كارتر… تضاعفت ميزانية الدعم الأمريكي العسكري ثلاث مرات وأصبحت بقيمة 100 مليون دولار عوض 34 مليون دولار مع برنامج تعاون عسكري لمدة ستة سنوات ودعم المملكة في حرب الصحراء، كما تقرر رفع حضر بيع الأسلحة للمغرب الذي سنه جيمي كارتر من قبل … مباشرة بعد هذه الزيارة أصبحت الأسلحة تتقاطر على ميناء الدار البيضاء، حيث وصلت قطع المدفعية الثقيلة من عيار 155ملم على مركبات M109, وصواريخ طاو المضادة للدروع، وصواريخ شابارال وشاحنات الكايزر ودبابات M60 Patton   وغير ذلك…. هنا بدأت معالم القتال تنقلب رأسا على عقب بالصحراء، وأصبحت جيوش تحالف قوى الحقد من الجزائر وليبيا وكوبا و…. مسلحة بأسلحة مصرية حيث طالما وجد جنودنا بعض القطع المستعملة من قبل المرتزقة من عبوات وحاملات القذائف مكتوب عليها” صنع بمصر”… انقلبت الأمور وأصبحت المرتزقة في وضعية الفر المسترسل، حيث طاردتهم فرق اللااللواء السادس واللواء الثالث للمشاة الممكننة واللواء الثاني عشر والفرقة السابعة للمظليين المشاة و…. وجعلتهم يعيشون وضعا لا يحسدون عليه… بل دفعت بهم داخل الأراضي الجزائرية مما أتاح لفرق الهندسة العسكرية فرصة إنشاء أول خط دفاعي متحرك تعرفه البشرية والذي عجز العدو عن تخطيه إلى يومنا هذا.

لابد أن نقف هنا وقفة المعترف بالجميل ووقفة إجلال واحترام للقائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية المغفور له الحسن الثاني الذي برهن للعالم أنه قائد محنك ورجل صادق في قوله وفعله، إنصهر في قضايا وطنه العادلة وجعل منها اولويات لم يبرحها إلا بعد الحلحلة. نسأل الله أن يتغمده برحمته وأن يسكنه فسيح جناته بجوار الأنبياء والمرسلين والشهداء والصالحين وسلفه المغفور له الملك المكافح محمد الخامس وحسن أولئك جوارا. كما نقف وقفة إجلال لشهدائنا الأبرار الذين روت دماؤهم رمال الصحراء المغربية سائلين الله عز وجل أن يتقبلهم شهداء الملة والدين، وأن ينعم عليهم برضاه، كما نقف وقفة إحترام لكل من رابط بهذه البقاع دفاعا عن وحدة الوطن من ضباط سامين وضباط وضباط الصف وجنود، كل الأسلحة والفرق… كما نعبر عن إمتناننا لكل من ساهم في لم جراح هذه الأراضي الغالية وبناها لبنة لبنة إلى أن وصلت ما هي عليه الآن بكل من العيون وطرفاية وبوجدور والداخلة والكركرات… كما لا يمكننا نسيان ما قامت به القوى الحية بوطننا من تبني قضية وحدتنا الترابية وجعلها مقدسة في المحافل الدولية.

يتبع