الألباب المغربية/ د. حسن شتاتو
شالة تموت بصمت: مقبرة شالة في الرباط، مكان المفروض أن يكون رمزا لتكريم أبطال الوطن، أصبحت اليوم فضاءً للمحاباة والامتيازات الاجتماعية والسياسية. هنا يُدفن من “ينتمي إلى الدائرة الصحيحة”، بينما يُطرد من صنع التاريخ بأفعاله، لأن الشرف والنزاهة لم يعدا مؤهلات كافية في وطننا.
أبي، من رفض المنفعة وعاش الشرف.. أبي، رحمه الله، لم يكن مجرد موظف أو مقاوم. شارك في هجوم 2 أكتوبر 1955، وهو أحد أعظم محطات المقاومة المغربية ضد الاستعمار. قضى أربعين سنة في خدمة الأمن الوطني، رجل نقيّ، لم يأخذ فلسًا واحدًا من أحد، ولم يسعَ وراء الشهرة أو المكافآت، حتى جنازته رفض أن تُنفق عليها الدولة فلسًا واحدًا، مؤمنًا أن الوفاء للوطن لا يحتاج سوى الاعتراف بالحق.
ولكن اليوم، تُغلق الأبواب أمامه. يُمنع من الراحة في المكان الذي يليق به، بينما يُدفن آخرون بلا تاريخ أو تضحية، لأنهم في “الدائرة الصحيحة”. هذه ليست مجرد مهزلة، هذه جريمة رمزية بحق التاريخ والوطنية.
حجج واهية، ذريعة للظلم.. السبب المعلن هو أن المقبرة مكتظة، وأنها يجب أن تُفتح للجميع دون تمييز. هذه الحجة واهية، بل هي غطاء للتمييز الفاضح. هل يُعقل أن يُحرَم من صنع التاريخ بدمائه ونزاهته من حقه في شالة، بينما يُفسح المجال لمن لم يقدم شيئًا للوطن سوى علاقاته؟
شهادات على البطولات الحقيقية.. زملاؤه في الأمن الوطني يشهدون له:
- كان مثالاً للنزاهة والوفاء، لم يطلب أو يقبل أي منفعة شخصية طوال حياته.
- عرفناه رجلاً شريفاً، مناضلاً هادئاً، لم يُخفِ بطولاته، لكنه لم يسعَ وراء الشهرة.
أبي لم يكن بحاجة لأي امتياز، لكنه استحق كل تكريم، وكل اعتراف، واليوم يُحرم منه، بينما تُداس القيم الوطنية على مذبح العلاقات والسلطة.
رسالة إلى المسؤولين والمجتمع: المسؤولون الذين أداروا هذا الظلم يجب أن يعلموا أن التاريخ لا يُسجَّل بحسب من يملك النفوذ، بل بحسب من يستحق الاحترام والشرف. كل يوم يُترك فيه هذا الواقع كما هو، يمس وطننا في جوهره، ويبعث رسالة قاتلة: البطولة الحقيقية لا قيمة لها في هذا المجتمع.
صرخة الوطن الحقيقية: إعادة الاعتبار لمقبرة شالة ليست رفاهية، بل واجب وطني وأخلاقي، على المجتمع والصحافة وكل من يهمه الوطن أن يرفع صوته ضد هذا الظلم. الأبطال الذين صنعوا التاريخ بأفعالهم، وليس بألقابهم، يجب أن يجدوا مكانهم الطبيعي في شالة.
خاتمة: للضمير الوطني، مأساة شالة اليوم ليست مجرد دفن، بل اختبار لقيم الوطن: هل نكرم من ضحوا بالغالي والنفيس، أم نترك السلطة والامتيازات تطمس كل أثر للبطولة والشرف؟
أبي وكل من سار على خطاه صنعوا التاريخ بدمائهم وأفعالهم. إذا تركنا الظلم يستمر، سنفقد الوطن قبل أن نفقد الأبطال. التاريخ الحقيقي لا يُشترى بالمال ولا يُكتسب بالعلاقات، بل يُحفظ بالوفاء والاعتراف لمن يستحق..