الألباب المغربية/ محمد أمين مشبال
بعد مضي أزيد من أسبوعين من المواجهات ما بين حماس وباقي الفصائل الفلسطينية في غزة وإسرائيل، يتبادر سؤال ماذا بعد هاته الحرب الدامية؟ وأية سيناريوهات يمكنها أن تأخذ طريقها نحو التطبيق باعتبار أنه من الصعب جدا أن تستمر الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط وكأن شيئا لم يحدث. فالحرب ستظل دوما كما يقول الجنرال البروسي كارل كلاوزفيتز “استمرارا للسياسة بوسائل أخرى”. انطلاقا من ذلك سنعرض ثلاثة سيناريوهات تلخص ما قد يحدث في غزة ويمس القضية الفلسطينية عموما بعدما تكف المدافع والصواريخ أن تكون لغة التخاطب.
عودة أبو مازن
يعلم الجميع أن تواجد حماس داخل قطاع غزة لا يقتصر على الوجود العسكري المتمثل في “كتائب عز الدين القسام” بل يتعداه لمؤسسات إدارية تسهر على تنظيم وتأطير مختلف المرافق الاجتماعية من تعليم وصحة وأمن وماء وكهرباء وصولا إلى الصرف الصحي، وبالتالي لما يطرح قادة إسرائيل بأنهم يسعون من حربهم المدمرة هاته “اجتثاث حماس” علما أن ذلك سيتطلب، علاوة على تكلفته العسكرية والسياسية المرتفعة، إعادة احتلال القطاع الذي انسحبت منه صيف سنة 2005، بما يعنيه من مسؤولية قانونية تتمثل في تدبير شؤون الحياة اليومية للمواطنين الفلسطينيين تحت الاحتلال وبطبيعة الحال عمليات المقاومة التي ستستهدف قواتها هناك، ناهيك عن ردود الفعل الدولية وفي مقدمتها فتح جبهة ضد المليشيات المسلحة الموالية لإيران والتي تتوزع على مناطق جغرافية مختلفة: اليمن، سوريا، العراق، لبنان. لذا ومهما كانت المكاسب العسكرية التي قد تحققها إسرائيل في حربها ضد حماس، فإن أفضل سيناريو يمكن أن تحلم به يتمثل في عودة رجال أبو مازن إلى مقاليد السلطة في غزة قصد الإشراف على إعادة الإعمار واستتباب الأمن لكنه يظل سيناريو شبه مستحيل في ظل غياب أفق سياسي لسلطة ترهلت وفقدت الكثير من شعبيتها في الضفة الغربية.
أوسلو منقحة:
تميزت السنوات التي سبقت اتفاقية أوسلو مباشرة بانتفاضة شعبية عارمة في الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية وانخرطت الفصائل السياسية الفلسطينية السرية والحركات النسائية والنقابات العمالية وقطاعات كبيرة من المجتمع المدني في سلسلة من الإضرابات والاحتجاجات والعصيان المدني ومقاطعة البضائع الإسرائيلية والاشتباكات غير المسلحة إلى حد كبير ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي، ورغم الطابع السلمي الذي غلب عليها فإن ذلك لم يمنع قوات الاحتلال من قتل حوالي 1300 فلسطيني.
كان الوضع الدولي يهيمن عليه آنذاك سقوط جدار برلين وتوحيد ألمانيا وتدبير الوضع في الديمقراطيات الشعبية، ولم يعد ميالا إلى نصرة القضية الفلسطينية بما في ذلك الاتحاد السوفياتي الذي شرع في عهد غورباتشوف بتخفيف القيود على هجرة اليهود إذ وصل منهم 12 ألف إلى إسرائيل. ومما زاد من ضعف الموقف الفلسطيني انحياز القيادة الفلسطينية إلى جانب صدام حسين في غزوه للكويت مما أغضب السعودية ودول الخليج التي كانت توفر دعما سخيا للفلسطينيين وتستقطب عددا كبيرا منهم للعيش والعمل فيها خصوصا الكويت.
في ظل هذا السياق الدولي، وبعد نجاح التحالف الدولي الذي شاركت فيه مجموعة من الدول العربية في حربه ضد العراق، شرع جيمس بيكر ابتداء من مارس 1991 في عرض المشروع الأمريكي للسلام، كما أخذت الإدارة الأمريكية في ممارسة ضغوط على قادة إسرائيل للانخراط في العملية السلمية، وقصد تليين مواقفها منحت الولايات المتحدة إسرائيل دعما اقتصاديا وعسكريا بقيمة مليار دولار إضافة إلى قرض بنكي قدره 400 مليون دولار.
أسفرت الدينامية السياسية التي كانت تقف وراءها إدارة بوش عن انطلاق مسلسل تفاوضي كانت أولى محطاته مؤتمر مدريد في نهاية سنة 1991 تحت الرعاية الأمريكية شارك فيه فلسطينيو الداخل ضمن وفد أردني فلسطيني مشترك ، ثم تلته وبموازاته مفاوضات سرية في أوسلو ما بين منظمة التحرير الفلسطينية وممثلين عن الحكومة الإسرائيلية أثمرت في 13 سبتمبر 1993 ما سيعرف باتفاق أوسلو الذي تم توقيع بنوده، بحضور الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، من طرف ياسر عرفات عن الجانب الفلسطيني وشمعون بيريز وزير الخارجية الإسرائيلي عن الجانب الإسرائيلي.
نص الاتفاق المذكور الذي شمل الجوانب الحياتية للفلسطينيين، وأجل البث لمدة خمس سنوات في الملفات المعقدة مثل القدس والأسرى والمياه والحدود واللاجئين، على أن تنبذ منظمة التحرير الفلسطينية العنف (المقاومة المسلحة) وتحذف البنود المتضمنة في ميثاقها التي تشير إلى تدمير إسرائيل. كما تعترف منظمة التحرير الفلسطينية بسيادة دولة إسرائيل على 78 بالمائة من أراضي فلسطين التاريخية (ما عدا الضفة الغربية وغزة)، مقابل ذلك اعترفت إسرائيل بمنظمة التحرير ممثلا شرعيا للشعب الفلسطيني، ووافقت على انسحاب عبر مراحل من أراض بالضفة الغربية ومن أريحا وغزة، إضافة إلى الإقرار بحق الفلسطينيين في إقامة حكم ذاتي (وليس دولة) على الأراضي التي تنسحب منها في الضفة والقطاع.
عمدت إسرائيل خلال الفترة الانتقالية إلى فرض الأمر الواقع وتغيير المعطيات الجغرافية والديمغرافية فوق الأرض، بحيث تضاعف عدد المستوطنين في الضفة الغربية ما بين 1993 تاريخ توقيع اتفاقيات أوسلو و2000 تاريخ اندلاع الانتفاضة الثانية، فضلا عن وجود 200 ألف مستوطن في القدس الشرقية. وهكذا مع اقتراب موعد المفاوضات النهائية (كانت حينها المساحة التي تراقبها السلطة الفلسطينية تتجاوز 30 بالمائة من مجموع مساحة الضفة) أخذ يبرز بشكل جلي أن الدولة الفلسطينية التي يسعى الفلسطينيون إلى بلوغها ستكون، في أحسن الأحوال، عبارة عن جزر معزولة بعضها عن البعض الآخر، ناهيك عن مجموعة من الطرق الدائرية المخصصة للمستوطنين… يتبع