الألباب المغربية/ إبراهيم فاضل
اهتزّت القناة الأمازيغية الثامنة التابعة للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة المغربية على وقع زلزال إداري وقضائي غير مسبوق، بعد أن فتحت السلطات القضائية تحقيقاً موسعاً في اختلالات مالية وتدبيرية خطيرة، تورط فيها مسؤولون كبار بالقناة، بينهم المدير العام السابق.
هذه القضية التي يتابعها الرأي العام الإعلامي والوطني باهتمام كبير، تكشف عن واحدة من أكثر الملفات حساسية في تاريخ الإعلام الأمازيغي العمومي المغربي، وتعيد إلى الواجهة أسئلة الحكامة والشفافية في تدبير المؤسسات العمومية ذات الطابع الإعلامي والثقافي.
مصادر مطلعة أفادت أن الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالرباط استنطق، يوم أمس الأربعاء 8 أكتوبر الجاري، سبعة مسؤولين بالقناة الأمازيغية الثامنة، على خلفية الاشتباه في ارتكابهم جرائم اختلاس وتبديد أموال عمومية، نتيجة اختلالات مالية جسيمة طالت ميزانية قناة تمازيغت التابعة للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة.
وبحسب نفس المصادر، فقد أحيل المشتبه فيهم على قاضية التحقيق بالغرفة الخامسة، التي قررت بعد جلسة الاستنطاق الإعدادي إخضاعهم لتدبير المراقبة القضائية، مع إغلاق الحدود في وجههم إلى حين انتهاء التحقيقات، في خطوة تؤكد جدّية القضاء في التعاطي مع هذا الملف الذي هزّ أروقة دار البريهي.
وتعود فصول هذه القضية إلى تقرير مفصّل أنجزه المجلس الأعلى للحسابات، رصد مجموعة من الاختلالات المالية والتسييرية في تدبير القناة الأمازيغية، همّت بالخصوص الصفقات العمومية وتوزيع الميزانيات المخصّصة للإنتاج والبرمجة، إلى جانب نفقات أخرى لم تخضع للمساطر القانونية المعمول بها.
وبناء على هذا التقرير، كلّفت النيابة العامة الفرقة الجهوية للشرطة القضائية بالرباط بمباشرة الأبحاث والتحريات الدقيقة، التي أفضت إلى جمع معطيات ووثائق تثبت وجود شبهات قوية حول ممارسات مالية غير سليمة داخل القناة، ما استدعى استدعاء عدد من المسؤولين السابقين والحاليين قصد التحقيق معهم في الأفعال المنسوبة إليهم.
وأفادت المعطيات المتوفرة أن التحقيقات لا تزال متواصلة، وسط توقعات بتوسيع دائرة البحث لتشمل أسماء أخرى داخل الشركة الوطنية، يُشتبه في استفادتها من صفقات مشبوهة أو تورطها في تجاوزات إدارية ومالية على صلة بملف تسيير القناة الأمازيغية.
وتشير مصادر الجريدة إلى أن الملف مرشّح لمزيد من التطورات في الأيام المقبلة، خاصة مع استعداد قاضية التحقيق للشروع في جلسات الاستنطاق التفصيلي، التي قد تكشف عن معطيات جديدة وتطيح بمسؤولين آخرين.
القضية التي وُصفت من طرف مهتمين بالشأن الإعلامي بـ”الزلزال الحقيقي داخل دار البريهي”، أعادت إلى الواجهة النقاش القديم الجديد حول غياب الحكامة الرشيدة وضرورة تعزيز آليات المراقبة والمساءلة داخل مؤسسات الإعلام العمومي.
ويرى عدد من المتابعين أن ما يجري داخل القناة الأمازيغية ليس سوى نموذج مصغّر لاختلالات أعمق يعيشها قطاع الإعلام العمومي، الذي يُموّل من المال العام ويُفترض فيه أن يكون نموذجاً في الشفافية والنزاهة، كما دعا هؤلاء إلى ضرورة تسريع إصلاح منظومة التسيير المالي والإداري داخل الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، وتفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، لضمان استقلالية القرار الإعلامي عن أي نفوذ أو مصالح شخصية.
وفي ظل هذه التطورات المتسارعة، يبدو أن دار البريهي الرمز التاريخي للإعلام العمومي المغربي تمرّ بمرحلة دقيقة وحساسة، تفرض وقفة تأمل حقيقية لإعادة الثقة في مؤسسات البث العمومي، وضمان أن تؤدي رسالتها الوطنية والمهنية بعيداً عن أي شبهات مالية أو تدبيرية.
وإذا كانت التحقيقات الجارية اليوم قد فجّرت ملفات مسكوتاً عنها، فإن الرهان الأكبر يبقى في قدرة الدولة على إرساء نموذج جديد للحكامة الإعلامية، يحصّن هذه المؤسسات من الانزلاقات، ويعيد الاعتبار للإعلام الأمازيغي كرافعة للهوية والتعدد الثقافي، لا كفضاء للتلاعب بالمال العام.