الألباب المغربية/ عبد القادر الحلوي
بعد الترحم على أنفس كثيرة قضت تحت الأنقاض إثر الزلزال العنيف والمدمر ليلة الجمعة الأخيرة ، نترحم كذلك على أنفس جرفتها السيول إثر فيضانات ليبيا التي تزامنت مع خرابنا وكأن القدر إنفجر من تحت الأرض بالمغرب ومن فوقها بإغراق جزء من ليبيا في زوبعة فيضانات لم تبقي ولم تذر !
زلزال يفوق 7 درجات حسب سلم ريشتر أعطانا حصيلة ثقيلة – حتى اليوم – في حدود 3000 قتيل ، وفي ليبيا ما يفوق 2500 قتيل ناهيك من هم تحت الأنقاض هنا بالآلاف ومن هلكوا في السيول من المفقودين بنفس الحصيلة على وجه التقدير .
الفكر لم يستوعب الحدث وأسبابه ودواعيه علميا ، والنفس لم ترتح من المشاهد الحزينة في كلتا الحالتين .
الذين لقوا حتفهم هنا وهناك هي أنفس بشرية كانت بيننا وفجأة غادرت : من ترك أبناءه ومن تركوه أبناؤه ، عائلات عن آخرها وأخرى منها من نجا لكنه معطوب جسديا ونفسيا ، أحياء وقرى قضت تحت الأنقاض هنا وأخرى هناك انجرفت مع السيول الهادرة منها من طفا على السطح ومن يجهل مكانه تماما …
في هذه الأيام السوداء التي نعيشها كان الصمت حقا علينا ، لا نتفرج كما يفعل البلهاء منا ، بل نستقي الأخبار والفواجع ونطلب من الله أن يلطف فيما جرت به المقادر .
لكن ، هذا الصمت أعطانا فرصة للتعرف على المعادن البشرية الصدئة ، والتقرب من حثالة المهرولين من الأشخاص والدول والمنابر الإعلامية وذبابها الإلكتروني ، بل وحتى التأكد ممن يحكم دولا تعتبر نفسها آية في التقدم ، مع ملاحظة خاصة فاجتأتني من فرنسا والجزائر وتونس ( هم بلدان غريبة عنا ولا وجود لأي سفير مغربي فيها ) هاته البلدان هي من لا زالت تتحرش بالمغرب عبر قنواتها وصحافتها اللامهنية التي تبحث بكل الوسائل أن يسمح لها المغرب بتقديم “مساعدتاتها” وتتساءل لماذا دولة ضعيفة ومحتاحة كالمغرب لم تسمح لفرنسا والجزائر وحتى تونس ، لكنها سمحت فقط لأربعة دول هي : إسبانيا وإنجلترا والإمارات وقطر ، أي ، ملكيتان من أوروبا وإمارتان عربيتان من الخليج !!!
الإعلام الفرنسي بالخصوص ظل منذ اليوم الأول يبحث عن “القمل في رأس الأصلع” ويستغرب عدم الانصياع لطلب ماكرون وأتساءل : هل فرنسا ستساعدنا بجزء من الأموال الطائلة التي تسرقها من طالبي الفيزا أم من صندوق دعم مخصص ؟ كم اكتشفت أن الإعلام الفرنسي بئيس جدا وحقير وهو ينقلب على نفسه عندما كان يعتبر المغرب في أزمة كبرى ك كوفيد-19 أحسن لوجيستيا من فرنسا وبعض الدول الأوروبية باستباقيته ولا يتابع الأحداث منذ الساعات الأولى كما فعلت إسبانيا وقطر دقيقة بدقيقة ونقلوا الحقيقة ، الحقيقة التي تقول أن المغرب أخذ العبرة من الدروس السابقة وخصوصا زلزال الحسيمة سنة 2004 وقد كانت طريقة تدبيره سلبية وعشوائية رغم أن الملك تواصل مع الأهل هناك وعاش معهم المحنة تحت ضربات الهزات الارتدادية التي أتت من بعد .
فرنسا كما الجزائر وتونس يعتبرون أن عدم إجابتهم مثالا لتضييع الفرصة على المتضررين لكننا كمغاربة صدمنا مباشرة بعد الزلزال من الهبة المغربية في كل مكان ومنذ الساعات الأولى تقاطرت على منطقة الحوز وتارودانت العشرات من الشاحنات والمقطورات في ملحمة لا يستطيعها شعب آخر !
مراكز تحاقن الدم عجت عن آخرها بآلاف المتبرعين منهم سواح من مختلف البلدان ، أما المساعدات فكانت تتم عبر طائرات الهليكوبتر التابعة للجيش لأن المناطق المنكوبة كانت جبلية وبعيدة عن الطرق والمسالك وكذلك قوة الزلزال التي أحدث دمارا بالبنية الطرقية التي أصبحت مقطوعة منها من أصلحت ومنها من لازالت الأشغال بها لحد الساعة ، كما أن المستشفيات الميدانية العسكرية بأطقمها الطبية وأطبائها المجربين في مواكبة المتضررين نفسيا تقربت من الأماكن المتضررة لتطبيب الحرحى والمعطوبين ومواكبتهم ولهم تجارب كثيرة خصوصا في فترة الشتاء والبرد القارس .
الجزائر ، هذه الدولة التي قطعت كل صلة بالمغرب قالت أنها فتحت الأجواء لتقديم المساعدة شريطة أن يطلبها المغرب ( كذا ! ) ، وإعلامها الهجين الذي لا يعرف غير السب والتشفي ، أما إحدى “جرائد المنشفة” Torchon فقد كتبت ما يلي : ” المخزن يحرم ضحايا الزلزال من المساعدة الجزائرية ” !!! كم هي مضحكة مبكية هذه العبارة وأنا في عمر أل سبعين سنة أعرف أن الجزائر لم تساعد يوما واحدا بل ظلت منذ نشأتها تتلذذ بخلق المشاكل وتستعدي المغاربة لا النظام كما تظن وطرد آلاف العائلات وحجز ممتلكاتهم وتفريقهم عن عائلاتهم كانت شبيهة بالحالة النفسية التي نعيشها اليوم والفرق فقط أن الزلزال عملية طبيعية وطرد المغاربة دون وجه حق عملية عسكرية جزائرية ، فهل طرد آلاف المغاربة وعائلاتهم كانت ضد النظام المغربي أم ضد الأخوة المغاربية ، مع ما نعلمه ويعلمه الجزائريون أنفسهم والقدامى منهم أن المغرب كان قاعدة خلفية للثورة الجزائرية وممونا حصريا لها أوليس كذلك !؟؟
وفي الختم ليس لنا الآن غير حسن العزاء لنا ولإخواننا في ليبيا المنكوبة.