الألباب المغربية/ محمد خلاف
مدن ومداشر مغربية، تحت الأنقاض في صراع مع الموت بصرخات الهلاك، الناس فارون بلا ستار في مواجهة العراء، في الطرقات يتمادون ويبحثون عن المأمن وعن الأم والأب و الأخوات، أطفال ينبشون عن ألعابهم وضحكاتهم بين الخراب، ناس مراكش والحوز، وتارودانت، وورزازات، وازيلال، بعدما كانوا بسقف يحميهم، أصبحوا تحت بقايا هدم البناء يتذكرون حنان الأم الدافئ الصافي، البكاء يحتضن ملامحهم الطفولية البريئة، يصارعون التوجس ويحتضنون الألم… ففي ليل بهيم زلزلت الأرض زلزالها، فنُسفت المنازل نسفاً والناس تصدح وتنادي والأرض صماء لا تسمع، بل تزداد غضباً كلما اشتد الصخب والعجيج، وكثرت الحشود، غضب مروع لم يعهده أحد من قبل، انتفض الجميع واستنفرت الجهود لإنقاذ الناس، والمباني تتهاوى واحداً تلو الآخر، تزلزلت الأرض وتحطمت لكنها في المقابل عالجت ورمّمت، حين أحب البشر بعضهم البعض ولم يختلفوا، وحين تسابقوا في عمل الخير ولم يكترثوا… سبحان الله ما وُجدت هذه الأزمات إلا لتكون حارساً لإنسانيتنا، باعثة لكل معاني الرحمة المركبة في النفس، وهذا من بعض أسرار القدر، أنه جعلنا بالألم والشقاء رحماء فيما بيننا، تماما كما حدث في أزمة كورونا، فلولا تلك الأزمات لعِشنا فقراء في الحياة من كل خير… زلزلت الأرض ليخرج من النفوس كل معنى جميل وخلق أجمل.
ناس كانوا في هناء… دون أهبة لهذه اللحظة، فهل أدى كل منهم ما عليه من حقوق للخلق؟ أم ناموا وفي رقبتهم مظالم؟ وهل أدى كل منهم ما عليه من حقوق لله من صلاة وزكاة و….؟
حدث ما حدث.. وسيُبعث المرء على ما مات عليه وفيه….
هو زلزال أشبه برسالة قديمة منسية في ليلة مكتظة بالأغنيات والقصائد وشعر نزار قباني وصوت أصالة نصري وهي تصرخ: اغضب كما تشاء ! .. ناس الجنوب لستم لوحدكم، بل كل القلوب ممتلئة بكم، حتى الزحام والأرق يمشي بكم، وفي أرواحنا محرقة ألم عنكم، كلنا معكم فنوركم معلق على حائط ذاكرة كل مغربي وكلمة نحبكم على طرف قلوبنا مخمورة بكما…
حدث كحلم خاطف، من ساعات كانوا فوق أديم الأرض في بيوتهم، فانقلب الحلم إلى غياهب الرعب، أهل الجنوب ينتظرون أن تنزع عن وجوهم الأتربة، وتمسح عنهم الدموع، فهذا قدرهم، والموت اختارهم، فقد نتوارى عن الرصاص والبنادق والدبابات والقذف والهدم والصراعات، لكن لا مفر من مشيئة الله في خلقه…إنه زلزال جاء لعلمنا انه لا شئ دائم وثابت. .. وفي أي لحظة يمكن لحياتك الجميلة والمثالية أن تنهار وتتحول الى جحيم.
فنيران الفراق صعبة، بعدما دمرت منازل كثيرة بزلزال قاسي، هدم كل سعادتهم، والأحداث تراودهم وستبقى في أذهانهم، إنه أمر يفطر القلب ويدمي العين بمشاهد مروعة ومحزنة ومخيفة ومبكية، ناس كثيرة ماتت تحت الانقاض وسط الدمار، هناك من يبحث عن أمه المريضة وآخر عن طفله وآخر عن زوجته وحبيبته، وأطفال يبحثون عن أمهم، ومازالت الاحزان في تلك الأراضي في ازدياد والبواكي تكثر في كل لحظة، والصمت المخيف يعقد الألسن…
إنه ابتلاء شديد وما يصمد أمامه إلا ذو قلب سليم واثق بالله ومتوكل عليه ويؤمن أن كل شيء بيد الله.
فالزلازل ظواهر طبيعية ولها أسباب معروفة ولا علاقة لها بأفعال الناس، وقد تكون عقابا للكافرين، وقد يرسلها الله تبصرة وذكرى للناس لعلهم يرجعون، وقد تكون الزلازل تنبيها وإيذانا بحدوث أمر عظيم، وقد تكون عذابًا للناس في الدنيا، والزلزل للمؤمن تذكير بالقيامة وأهوالها…..
وعموما فكل زلزال في الدنيا مهما بلغت شدته، فإنه لا يساوي شيئا أمام الزلزال العظيم، حين تُخرجُ الأرض أثقالها، من بشر ومن مصهور المَعادن، ويقول الكافر يومئذ مالها؟ لِأنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِالبَعْثِ، أمّا المُؤْمِنُ فَيَقُول: ﴿هَذا ما وعَدَ الرَحْمَنُ وصَدَقَ المُرْسَلُونَ﴾ . ﴿يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ .. فَمَن یَعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّةٍ خَیۡرࣰا یَرَهُۥ .. وَمَن یَعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّةࣲ شَرࣰّا یَرَهُۥ ﴾
اللهم ألطف بأهلنا في الجنوب المغربي، وبكل المدن المغربية العزيزة.