الألباب المغربية/ د. حسن شتاتو
منذ سنوات، دأب بعض الكتّاب الجزائريين على مهاجمة المغرب كلّما ضاقت بهم سبل التبرير الداخلي. يحاولون تغطية إخفاقات نظامهم عبر تصدير الوهم وخلق عدوّ خارجي، وكأنّ أزماتهم البنيوية هي نتاج “مؤامرة مغربية”، غير أن الحقائق التاريخية والسياسية تكشف العكس تمامًا: الجزائر ليست “أختًا كبرى” كما تدّعي، بل صنيعة استعمارية فرنسية قامت على أراضٍ مغتصبة من جيرانها، وتعيش إلى اليوم على إرث حدودي مصطنع وثروات مهدورة.
من المضحك المبكي أن يخرج علينا بعض الجزائريين الذين جعلوا من العنتريات مهنة، ومن مهاجمة المغرب عقيدة سياسية ثابتة، وهم يقدّمون أنفسهم محللين استراتيجيين في قضايا لا يفقهون فيها سوى ما يُملى عليهم من دهاليز المخابرات.
يتحدثون عن “الجزائر الأخت الكبرى” التي “تأسف” على حال مالي، وكأننا أمام دولة تاريخية ذات جذور عميقة. والحقيقة أن الجزائر الحديثة ليست سوى كيان سياسي أنشأته فرنسا بعد أن جمعت له أراضٍ من المغرب وتونس والنيجر ومالي، وفق خرائط طبوغرافية رسمت في مكاتب باريس.
وقد اعترف أول رئيس جزائري أحمد بن بلة نفسه في تسجيل مصوّر متداول على “يوتيوب” بأن الصحراء الشرقية هدية من فرنسا، بعدما رفض الملك محمد الخامس السماح لفرنسا بإجراء تجاربها النووية على التراب المغربي الشرقي. هذه الشهادة وحدها تكفي لإسقاط كل الادعاءات حول “الحدود الموروثة عن الاستعمار”.
أما من يدّعون أن الجزائر “تحتضن الأشقاء” وتدافع عن استقرار القارة، فالتاريخ القريب يبرهن العكس. لم تترك الجزائر نزاعًا في إفريقيا إلا وأشعلته: من افتعال قضية الصحراء المغربية إلى تأجيج الصراعات في الساحل، مرورًا بتسليح الجماعات الانفصالية تحت شعار زائف هو “حق تقرير المصير”، بينما الحقيقة أنها كانت وما زالت تنفّذ أجندة فرنسية بغطاء إفريقي لإبقاء مستعمرات باريس السابقة تحت السيطرة.
النظام الجزائري، الذي يعيش على أنقاض شرعية ثورية منتهية الصلاحية، لم يعد يجد ما يوحّد شعبه غير “العداء للمغرب”. فهو يشحن الجزائريين كل يوم بخرافات “النيـف” – ذاك الرمز الوهمي الذي تحوّل في الواقع إلى شعار للذلّ الوطني والانقياد الأعمى.
أما المزاعم بأن المغرب “يخدع” هذا الطرف أو ذاك، فهي لا تعدو أن تكون دعاية تلفزيونية عسكرية من إنتاج العقلية الانقلابية التي تحكم الجزائر. فالمغرب لا يصدر الانقلابات، بل يصدر الاستقرار والنماء والمشاريع التنموية. بينما الجزائر لا تصدر إلا الأزمات واللاجئين وبيانات “الاستنكار الشديد” عبر وكالة أنبائها الرسمية.
إنّ الجزائر الحقيقية ليست تلك التي تراها اليوم على الخرائط، بل تلك التي عرفها التاريخ قبل 1830: إيالة عثمانية بلا سيادة، بلا حدود، وبلا قرار.
أما الحديث عن “الهروب”، فالحقيقة أن كلا الشعبين، المغربي والجزائري، يهاجران نحو أوروبا، لكن الفرق في الدافع والنتيجة.
فالمغاربة يهاجرون ليعملوا ويكدّوا ويبنوا مستقبلهم بعرقهم، يشغلون المصانع والمزارع والمطاعم، ويثبتون حضورهم بجهدهم أينما حلّوا.
أما الجزائري، فمع أنه يعيش فوق أرض من ذهب، فوق بحر من الغاز والنفط، فقد حوّله نظامه إلى لاجئ في وطنه وغريب في الخارج.
هرب كثيرون من الجزائر لا سعياً للعمل، بل هرباً من واقع الفشل والتسلّط، ليعيش بعضهم على المساعدات الاجتماعية، ويتورط آخرون في السرقات والاحتيال، حتى وصلت الوقاحة ببعضهم إلى سرقة متحف في فرنسا — مشهد يلخص السقوط الأخلاقي قبل المادي.
بلدٌ بهذه الثروات كان يمكن أن يجعل مواطنيه في مستوى الإماراتيين أو القطريين، لكنّ النظام العسكري اختار أن يستثمر الغاز في الدعاية، والنفط في شراء الذمم، والشعب في تصدير الشعارات.
ختاماً، إنّ من يتحدث عن “الهروب” عليه أولاً أن ينظر في مرآة بلده: فالذي يفرّ فعلاً هو النظام الجزائري من الحقيقة، والذي انهار حقاً هو النظام العسكري العجوز الذي يعيش على “الأسطورة التحريرية” ويخاف من كل نسمة حرية تهبّ من الغرب..