الألباب المغربية/ نادية عسوي
خطاب بنيامين نتنياهو أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة لم يكن خطاب سلام، بل كان محاولة واضحة لإشعال الفتنة. لقد تعمّد تصوير الصراع في الشرق الأوسط كحرب دينية بين اليهود والمسيحيين من جهة والمسلمين من جهة أخرى. هذه ليست دعوة للتعايش، بل استراتيجية هدفها خلق خوف عالمي يخدم أجندته السياسية.
نتنياهو أراد أن يؤثر على الغرب ويخيفه. فباستدعاء خطاب “الخطر الإسلامي”، سعى إلى وضع إسرائيل في صف “حامي الحضارة الغربية”، وبالتالي تبرير الحرب على غزة وكسب الدعم الدولي. إنه خطاب يستثمر في القلق الغربي من الإرهاب والهجرة ليُخفي جوهر القضية: احتلال مستمر ومعاناة يومية للفلسطينيين.
ولم يكتفِ بذلك، بل هاجم الدول الأوروبية التي اعترفت بالدولة الفلسطينية، واعتبر أن قرارها بمثابة “مكافأة للإرهاب”، بل ذهب أبعد من ذلك حين قال إن هذه الخطوة تعني أن “قتل اليهود يُجازى”. إنها لغة تتعمّد تأجيج الانقسام الديني والعرقي، وتحويل أي تعاطف مع فلسطين إلى موقف معادٍ لليهودية.
كما كرر الحديث عن الرهائن في غزة، وبث خطابه داخل القطاع عبر مكبرات الصوت، وكأنه يريد أن يجعل صوته جزءًا من معركة نفسية لا تنتهي. ولم يتردد أيضًا في التذكير باغتيال علماء إيران ومسؤولي برنامجها النووي، في اعتراف علني بأن إسرائيل تمارس سياسة الاغتيالات كأداة للدفاع عن نفسها. أي سلام يمكن أن يُبنى على لغة كهذه ؟
وأؤكد هنا أنني لا أعادي السامية ولا المسيحية ولا البوذية ولا الهندوسية ولا أي ديانة. فالدين شأن شخصي لكل إنسان، علاقة بين العبد وربه، يختارها كما يشاء، ولا دخل لي بها. ما يعنيني هو احترام إنسانية الفرد وحقه في الكرامة والعدالة.
لا شيء يبرر ما يحدث في غزة اليوم: التقتيل، التجويع، والإبادة الجماعية. هذه حقائق يراها العالم بالصوت والصورة، ولا يمكن تغطيتها بخطابات في الأمم المتحدة.
خطاب نتنياهو إذن لم يكن سلامًا ولا حتى محاولة للتقريب، بل كان خطاب فتنة يُراد منه توسيع دائرة الصراع ليصبح عالميًا ودينيًا، بينما تبقى القضية الحقيقية قضية أرض مسلوبة وشعب محروم من أبسط حقوقه.