الألباب المغربية
ظهرت الصحافة بسلطنة المغرب خلال بداية القرن التاسع عشر، حيث عرفت مناطق سبتة وطنجة وتطوان نشر مجلات وصحف هنا وهناك، منذ 1818 إلى 1912 أغلبها كان يتكلم لسان المعمر، الفرنسية جنوب خط الخضاضرة بالقصر الكبير- سوق الأحد بإقليم شفشاون، والإسبانية شمال نفس الخط.
إذا كان الملمون والعارفون بخبايا الصحافة يصنفون هذه الفترة بفجر الصحافة المغربية فهم على صواب وعلى حق لأن تداول الأخبار قبل مطلع القرن التاسع عشر كان يتم عبر الرقاص والبراح والمساجد الكبرى وبين الأعيان عبر بعض الخطابات المباشرة، وبعد 1912 سيتغير المشهد الصحفي بالمغرب حيث مباشرة بعد إعلان الحماية ستشحذ الأقلام التقية الشريفة وستنزوي الهمم النظيفة لنصرة الحرية والوقوف في وجه المعمر. بنيت صحافة المقاومة على درب سابقتها التي أسسها المعمر نفسه، وكان لدار الطبع والمطابع دورا في الكتابة والنشر ودورا محوريا في المقاومة المسلحة حيث غالبا ما كان يحضر المقاومون والفدائيون عملياتهم من داخل تلك المؤسسات، بل نجد المطبعة حاضرة في قلب الأحداث المسلحة والعمليات الفدائية… نضج الصحافة الوطنية خلال حقبة الإستعمار ساهمت في ظهور تلاوين صحافية منظمة كالصحافة الحربية والتي تمحورت حول جريدة العلم المكتوبة بالعربية وl’opinion المكتوبة بالفرنسية منذ شتنبر 1946، وكانت مبيعات العلم تصل إلى 10000 عدد رغم قلة إمكانيات التوزيع. وتلتها صحافة شورية كجريدة الرأي العام…. أعطتنا صحافتنا الوطنية رجالا صادقين في الفكر والنشر، خدموا الوطن بنكران الذات وفي صمت، كتب الله لنا أن نعاصر بعضهم ونقرأ لهم كالمرحوم عبد الكريم غلاب الذي دفن ماضيه لإحياء أمل الوطن، قرأنا لصحفيين ومحررين وإعلاميين روادا وشبابا، من خالد الجامعي والسي البريني والرفيق مجاهد وبن شمسي ونجيب السالمي وعمر مكول ورشيد النيني و….. واستمعنا للمرحوم الزايدي وسعيد زدوق والمكي بريطل وعلي حسن وأحمد عكا وفاطمة الوكيلي ونورالدين اكديرة وقاسم اجداين …. اللائحة حقا طويلة ترصعها أسماء لها باع طويل في الأخلاق والنزاهة متمكنة من مهنة المتاعب، لم يسبق لأحد منهم أن زاغ عن جادة الصواب…. نعتذر عن عدم ذكر كل الأهرام لعدم فساحة المجال علما أننا نكن لهم إحتراما وتقديرا لا نظير لهما لما أسدوه من خدمة لإعلامنا.
شكلت حلقة الصحافة الوطنية حلقة رئيسية في الحلقات السياسية والفكرية والأدبية التي ساهمت في النقلة النوعية التي عرفتها البلاد في مجال حقوق الإنسان… كان لهؤلاء الرجال دورا فعالا في سيرورة الجدال الحقوقي منذ الإستقلال إلى يومنا هذا، ونحن كمواطنين مدانون لهؤلاء الرجال وبعض النسوة ممن إمتهنن مهنة المتاعب، بالإعتراف بجهودهم الجبارة وبتفانيهم في خدمة وطنهم. نسأل الله أن يرحم من ترجل من على صهوة فرس دنيا الناس وأن يسكنه فسيح جناته بجوار النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك جوارا، وأن يطيل عمر من هم بيننا وييسر أمورهم وأن لا يبخل عليهم بنعمه ورضاه.
صحافة الحلقة.. للأسف، كل تلك النشوة التي عشناها ونحن نتأبط إحدى الجرائد الوطنية خشية أن تبتل بأمطار الخير أو أن يصادرها صديق أو رفيق نعجز عن صد طلبه، وذلك الإنتشاء ونحن نلتهم قراءة أحد المقالات لعبد القادر الشاوي أو عبد الرفيع الجواهري أو……، وكل ذلك الإنصهار مع الأثير ونحن ننصت لرشيد الصباحي وكأنه المسؤول عن شروق شمس الوطن من خلال برنامجه صباح الخير يا وطني أو لطيفة القاضي، أو يحيى الكوراري وهو يحضن وطنه و…. أصبحت موضوع حنين وقصة نوستالجيا على قياس نوستالجيا النيني بالقناة الثانية…. ظهرت كائنات إلتصقت بالجسم الصحفي كإلتصاق الطفيليات بوبر الأسود، وأصبحنا نتساءل أين تنتهي الصحافة كي تبتدئ السخافة…. خوتي خواتاتي المغاربة…. عاشوفو معايا…. إيوا هذا دا هذي وهذي بغات تدي هذا…. وهذاك شفار…. دون قياس ولا دليل… يضربون الحيطان بأعراض الناس ويعبثون بالشرفاء، طريقتهم تشبه إلى حد بعيد طريقة بائع ذلك الدهان العجيب الذي كان يصعد لحافلات نقل المسافرين بين المدن بمحطة بنجدية نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات من القرن الماضي، خوكم ديناصور، ويفتتح حلقته ب “خوتي خواتاتي” المسافرين الله يديكم فالنجا ويجيبكم فالنجا…. احنا اليوم جبنا ليكم…. إلخ. لقد ذهبت الحنكة والتعبير والتحاليل والتفكير وحلت الميوعة والسخافة والسفه، لا نجد من الصحافة شرارة إلا عند الرواد ومن هم على خطاهم، نبحث عن الخبر عند النزهاء والشرفاء ونحتاط من أخبار “شوفوا معايا أخوتي المغاربة” …. وعموما أصبحنا نصادف صحافة الحلقة، بأخبارها الزائفة مغتصبة قداسة الخبر وبملاسناتها الدنيئة مغتالة طهارة اللسان…
للصحافة أركان أهمها الأخلاق والمصداقية والحياد والكفاءة والشهامة والمروءة والصدق، إذا غاب أحد أركانها أصبحت باطلة كبطلان الصيام بلا نية والصلاة بلا وضوء والإرث بلا نسب، والصحافة كالفقه، لها مشايخها وفقهاؤها، لها مدارسها العتيقة وجامعاتها ومعاهدها…. الصحافة هي ملتقى فكر المجتمعات وقياس الحضارات… كلما سمت كلما زالت السموم واطمأنت القلوب..