الألباب المغربية/ حليمة صومعي
أنا جالسة بإحدى مقاهي بني ملال، أرتب أفكاري لكتابة مقال عن حفل الاستقبال الرسمي الذي ترأسه والي جهة بني ملال-خنيفرة، يوم السبت على الساعة الحادية عشرة صباحاً، بمقر الولاية في القاعة الكبرى. كان الحفل، كما هو معتاد كل سنة، مناسبة تغمرها أجواء من الفرح والإيمان، يحضرها مسؤولون مدنيون وعسكريون، إلى جانب حشود غفيرة من ساكنة الجهة، يتوافدون للاحتفاء بروح هذه المناسبة التي تجمع بين الرسمي والشعبي، بين الموروث والاحتفال.
كنت غارقة في كتابة تفاصيل الحدث، حين قطعت تأملاتي مجموعة من النساء دخلن المقهى بابتسامة دافئة، سلمن علي وجلست إحداهن بجانبي. كانت تتفرس الوجوه من حولها بعين فاحصة قبل أن تعلن، وكأنها تحمل بشرى:
“تم إلغاء عيد الأضحى، ونحن سعيدات جدا، الله يحفظ ملكنا ويطيل في عمره. لقد نجونا من قروض وفاء سلف لشراء الأضحية!”
كان وقع كلماتها مفاجئاً، لكنها كانت تعكس ارتياحا حقيقيا لفئات واسعة من المجتمع أنهكها ثقل المصاريف وتزايد الأسعار.
ابتسمت وهي تضيف: “لكن هل الطقوس المصاحبة للعيد ستُلغى بدورها؟ بوجلود، عايشورة، الشعالة، الكديدة… هذه ليست مجرد طقوس، هذه حياتنا، فرحة أولادنا، ذاكرة أحيائنا.”
تتابعت مداخلات النساء من حولها، يتحدثن بحماس وتلقائية عن طقوس العيد التي تتجاوز الأضحية، لتلامس تفاصيل اجتماعية وثقافية أصيلة؛ بوجلود يتجولون في الأزقة ببطاينهم وضحكات الأطفال تملأ المكان، النساء يتحلقن حول “الكديدة” ويتبادلن الفاكهة الجافة، والشعالة التي توقد كأنها نار تحيي الحي بأسره.
في لحظة بدت فيها هذه الجلسة الصغيرة أشبه بندوة اجتماعية مفتوحة، أدركت أن عيد الأضحى عند هؤلاء النساء ليس فقط أكباشا تذبح، بل هو سلسلة من الروابط الاجتماعية، واحتفاء بالمشترك الثقافي، وفرحة جماعية ترفض أن تُقزم في طقس الذبح وحده.
قالت إحداهن بحزم: “إذا تجاوز ثمن الكبش ألفي درهم، فليُلغ، لكن لا أحد يستطيع أن يلغي فرحتنا بعايشورة، وبوجلود، والشعالة… هذه أعيادنا نحن”.
كانت أصواتهن مليئة بالإصرار والتحدي، وكأنهن ينتظرن من يمنحهن شرعية التمسك بهذه الطقوس حتى لو تغيرت الظروف.
وأنا أنصت إليهن، أدركت أن ما كُنت أعتبره خبرا رسميا في البداية، تحوّل في هذا المقهى البسيط إلى نقاش حيّ حول الهوية والذاكرة والحق في الفرح رغم كل شيء.
ربما يكون عيد الأضحى هذا العام بلا أكباش، لكنه لن يكون أبدا بلا بهجة.