الألباب المغربية/ يونس المنصوري
في عام 1934، وُلد حسن أقصبي في زقاق بسيط من أزقة فاس، حاملاً في قلبه حباً جارفاً لكرة القدم، رغم أنه لم يكن يدري يومها أن هذا الشغف سيقوده إلى طريق مليء بالتحديات والألم. كانت كرة القدم بالنسبة إليه ملاذًا من واقع صعب وحلمًا يتردد بين نبضاته، وعندما كان يلعب في الحيّ البسيط، كان يرى نفسه في أحلامه فوق عشب أخضر، بينما يهتف له آلاف المشجعين.
رحلة الوداع ومرارة الغربة: حين سنحت له الفرصة ليلعب في فرنسا، لم يكن الطريق مفروشاً بالزهور، بل كان وداعًا لعائلته ووطنه، ترك كل ما يعرفه من أجل عشق اللعبة، وودع قلب أمه الذي ظل يرتجف من القلق كلما سافر، وداعًا لم يعِ أنه سيكون بدايةً لقصة تراجيدية. في فرنسا، واجه أقصبي قسوة الغربة والعنصرية، ووجد نفسه غريباً في مجتمع لم يتقبل بسهولة ابن فاس الشغوف.
أرقام أسطورية وقلبٌ يتوجّع: في نادي نيم ثم ريمس، كان أقصبي لا يخطئ طريق الشباك، محققاً أكثر من 130 هدفًا في الدوري الفرنسي، لكن كل هدف كان يعني معركة انتصر فيها على مشاعر الوحدة والخوف. كان يسجل بعزيمة كل ما فيه من حب وتضحيات، لكن في قلبه كان يوجعه أن انتصاراته على أرض الملعب تأتي دائماً مقرونة بخسائر على المستوى الشخصي. لم يكن الأمر مجرد لعبة، كان تضحيات في سبيل شغفه، يدفع ثمنها يوميًا.
مأساة البطولة وملهم الأجيال: ورغم كل الألم، لم يتوقف أقصبي عن القتال، وظل يحافظ على هذا الشغف النقي. كان يمثل بالنسبة لأبناء وطنه رمزًا للأمل، لكن خلف هذا الرمز قصة رجل عانى كثيراً ليرفع علم بلاده في ملاعب أوروبا. كان يعرف أن حب اللعبة ليس كافياً، بل التضحية والدموع والمثابرة هي ما يجعله أسطورة.
انتهت مسيرة حسن أقصبي في الملاعب، لكن لم ينتهِ الأثر الذي تركه في قلوب المغاربة. لم يكن فقط لاعباً، بل كان ملحمة من الحزن والشغف، تذكّر الجميع أن الأحلام الكبيرة تستحق التضحية، حتى وإن كانت ثمنها جزءاً من قلبك.